ماذا دار في الغرف المغلقة؟
فهد الخيطان
16-02-2019 11:48 PM
لم تحمل جلسات اجتماع وارسو المغلقة جدیدا یذكر عن محتوى صفقة القرن أكثر مما ھو معروف متداول. المستشار جارید كوشنر ”حاضر في المشاركین حول خطة السلام الأمیركیة، دون الدخول في تفاصیلھا، مكتفیا بعرض فوائدھا على الأطراف كافة، وعزم واشنطن التقدم بھا رسمیا بعد الانتخابات الإسرائیلیة المقررة في شھر نیسان ”إبریل“ المقبل.
لكن یمكن القول إن الاجتماع الذي ”احتضن“ وزراء خارجیة دول عربیة لا تقیم علاقات رسمیة مع إسرائیل إلى جانب بنیامین نتنیاھو ھو الاختراق الأھم في وارسو، فیما بدا وكأنھ مقدمة علنیة لتطبیع مقبل في العلاقات.
فلسفة صفقة القرن تقوم على فكرة التطبیع ولیس السلام العادل، فمنذ أن بدأ كوشنر وفریقھ مساعیھ لحل الصراع الفلسطیني الإسرائیلي روج لفكرة تطبیع العلاقات بین دول خلیجیة وإسرائیل كأساس لحل الصراع وفق مداخل اقتصادیة بدیلا عن الحل السیاسي القائم على مبدأ الدولتین.
بعبارة أخرى ترید الإدارة الامیركیة الحالیة، تسویة القضیة الفلسطینیة في إطار عملیة تطبیع اقتصادي شاملة مع الدول العربیة الغنیة، واستبدال حق الفلسطینیین في الدولة والاستقلال بمشاریع اقتصادیة كبرى عابرة للحدود، تتحول معھا مناطق الكثافة السكانیة الفلسطینیة إلى مدن صناعیة ومناطق حرة، وأبناء الشعب الفلسطیني إلى عمال وموظفین في استثمارات ضخمة یجري التخطیط لإطلاقھا.
خطورة اجتماعات وارسو، بكونھا أظھرت استعداد دول عربیة غیر معنیة مباشرة في الصراع بقبول التسویات والتطبیع مع إسرائیل قبل امتثال الأخیرة لمبادىء الحل العادل والشامل التي نصت علیھا القرارات الدولیة ومبادرة السلام العربیة. مقابل ذلك تحاول واشنطن إغراء ھذه الدول باستجابة قویة لمخاوفھا من خطر إیراني یھدد المنطقة، وتقدیمھ كأولویة على سواه من التھدیات والصراعات في المنطقة.
یدرك الأردن خطورة ھذه المقاربة على مستقبل القضیة الفلسطینیة، ولا یرى فیھا بدیلا یضمن تحقیق الأمن والاستقرار في المنطقة. ولھذا أخذت الدبلوماسیة الأردنیة على عاتقھا قرار المشاركة في اجتماع وارسو والاشتباك الدبلوماسي منفردة مع تصورات وأوھام یجري الترویج لھا بوصفھا مخرج المنطقة من أزمتھا.
في اجتماعات الغرف المغلقة بوارسو تصدى الأردن لكل طرح لا یضع في الاعتبار الحل العادل لقضیة الشعب الفلسطیني، أو یحاول التقلیل من شأن الصراع العربي الإسرائیلي على مجمل أوضاع المنطقة. الموقف الأوروبي عموما كان داعما للتوجھات الأردنیة في الاجتماعات، وسجل ممثلو دول أوروبیة تقدیرھم لحكمة الموقف الأردني وصلابتھ في مواجھة أطراف تحاول إدارة دفة الأمور على نحو لا یخدم مصالح العرب والفلسطینیین.
وبالرغم من إعلان كوشنر نیة إدارتھ طرح مبادرتھا للسلام بعد أسابیع، إلا أن الشكوك الدبلوماسیة تحوم حول قدرتھا فعلا على التقدم بمبادرة لا تلبي شروط السلام العادل ویرفضھا الجانب الفلسطیني مسبقا، في وقت لم یتبین فیھ بعد ھویة التحالف الحزبي الذي سیفوز بانتخابات الكنیست الإسرائیلي وموقفھ من خطة السلام الأمیركیة.
أما على الجانب العربي فإن ما نشھده من علاقات حمیمة مع إسرائیل في الغرف المغلقة یصعب ترجمتھ في العلن، بالنظر لكلفتھ الباھظة على بعض الأنظمة، ویكفي في ھذا الصدد قراءة ردود الفعل الشعبیة على سلوك وزیر الخارجیة الیمني مع نتنیاھو.
الغد