إصلاح التعليم مبتدأ النهضة
د. فيصل الغويين
16-02-2019 05:42 PM
لم يعد خافياً أنّ هناك قناعة متزايدة لدى المتخصصين وصناع القرار والرأي العام الأردني أنّ النظام التعليمي العام في المملكة يعاني من اختلالات على المستوى النوعي، وبالتحديد على مستوى كفاءة المخرجات التعليمية في المستويات كافة تقريباً، بل أنّ البعض يرى بأنّ مخرجات النظام التعليمي تتراجع عاماً بعد عام، وأن الفجوة تزيد تباعاً في قدرة هذا النظام على إنتاج أجيال متمكنة ومنتجة، وقادرة على مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل، ومؤهلة علمياً وثقافياً ومعرفياً، وقادرة على مواجهة تحديات العولمة، والمنافسة في سوق العمل الوطني والخارجي.
وقد شهد العقد الماضي عدداً كبيراً من المبادرات التي تهدف إلى إصلاح التعليم المدرسي وتطويره إلا أن نوعية التعليم في الأردن ومخرجاته تراجعت عمّا كانت عليه في ثمانينات القرن الماضي. ومن أبرز المؤشرات ذات الدلالة مؤشرات التقييمات الدولية التي تعكس حيوية وكفاءة هذه النظم وفاعليتها، وهي اختبار(TIMS) الذي يقيس معرفة الطلبة بالمفاهيم والمبادئ الأساسية في العلوم والرياضيات، واختبار(PISA) الذي يقيس مهارات الطلبة في حل مشكلات الحياة اليومية من خلال العلوم والرياضيات والقراءة، وميزة هذه الاختبارات أنها تعمل على تحييد المتغيرات التي تعكس عدم مصداقية وموضوعية وشفافية نتائجها.
ويعد هذا الاختبار أكبر مسح تعليمي دولي في العالم يشمل المدارس والطلاب في الدول المشاركة، وقد بدأ أول اختبار عام 2000 بمشاركة (43) دولة، والثاني عام 2003 بمشاركة (41) دولة، والثالث عام 2006 بمشاركة (57) دولة، وشاركت فيه ثلاث من الدول العربية فقط هي (الأردن – قطر – تونس)، وقد جاءت جميعها ضمن الدول التي احتلت مؤخرة الترتيب في مواد الاختبار الثلاثة، ولكن مع تميز بسيط للأردن. أما الدورة الرابعة في عام 2009، فقد كانت بمشاركة (74) دولة، واحتل الأردن المرتبة الأولى عربيًّا، وكان أداء الطلبة الأردنيين في عام 2009 أعلى مما كان عليه في عام 2006 في مجالي القرائية والرياضيات، حيث بلغ متوسط الأداء الأردني في عام 2009 في القرائية (405)، والرياضيات (387)، في حين كانت هذه المتوسطات عام 2006، في القرائية (401) وفي الرياضيات(384)، أما في العلوم فقد انخفض متوسط الأداء الأردني في عام 2009 إلى (419) مقابل (422) في عام 2006.
أما الدورة الخامسة فكانت في عام 2012، وبمشاركة ( 65 ) دولة، وشاركت فيها عربياً( الإمارات، الأردن، تونس، وقطر) وعلى الترتيب بالنتائج أيضا، وكانت نتائجنا في الرياضيات(386)، والترتيب الدولي (61) من (65)، وفي العلوم (409) الثاني عربياً، والترتيب الدولي(57) من(65) ، وفي القرائية( 398 )، الثاني عربياً، والترتيب الدولي( 58) من (65)،. بينما كانت الدورة السادسة في عام 2015، و بلغ عدد الدول المشاركة (72) دولة، وكانت نتائجنا في الرياضيات( 380 )، الثالث عربياً، والترتيب الدولي ( 66 ) من( 72) دولة، وفي العلوم( 409 )، الثالث عربياً ، والترتيب( 63) من ( 72) دولة، وفي القرائية( 408) ، الثاني عربياً، والترتيب الدولي( 60) من (72) دولة.
وفي عام 2017 أصدر المنتدى الاقتصادي العالمي تصنيفاً جديداً لجودة التعليم في العالم شمل(137) دولة. وقد قوّم التقرير هذه الدول بحسب درجة إجمالية تراوحت بين(1 و 7) انطلاقاً من درس وتحليل(12) معياراً أساسياً: المؤسسات، البنية التحتية، بيئة الاقتصاد الكلي، الصحة والتعليم الأساسي، التعليم الجامعي والتدريب، كفاءة أسواق السلع، تطوير سوق المال، الجاهزية التكنولوجية، حجم السوق، تطور الأعمال، الابتكار، وقد جاء ترتيب الأردن عالمياً على مستوى التعليم الابتدائي في المرتبة(69) عالمياً ، والـخامس عربياً بعد قطر، الامارات، لبنان، والسعودية بمجموع نقاط (3، 4).
وتظهر هذه النتائج أن نظامنا التعليمي لا يزال غير قادر على تمكين الطلاب من أهم المهارات المطلوبة للنجاح في التخصصات العلمية التي يحتاج اليها الاقتصاد الحديث المبني على المعرفة، مقارنة بالدول التي نجحت في العقود الاخيرة في بناء اقتصاد مزدهر، يقوم على التكنولوجيا والبحث العلمي والصناعات الدقيقة.
ولعل الدراسات والتقارير المسحية المحلية التي يمكن أن تساعد في إيضاح مستوى تراجع مخرجات النظام التعليمي الأردني علمياً ومهنياً قليلة، لعدم وجود مركز متخصص للبحوث والدراسات التربوية يسهم في رفد صانع القرار برؤية علمية لواقعنا التربوي. ومن هنا فان الاستفادة من التقارير والدراسات التي تصدرها المؤسسات العربية والدولية المعنية بتصنيف الدول بحسب معايير محددة للكفاءة والجودة تبدو متاحة بشكل أفضل. إضافة إلى المؤسسات المعنية بالاختبارات الدولية التي تقدم تقويماً دورياً لمستوى أداء الطلبة للدول المشاركة في مثل تلك الاختبارات....يتبع