أهلا رمضان . أجواء روحانية ولا أحلى بدأت تغشى النفوس قبل تشريف رمضان بأيام ، وتحضيرات منزلية طارئة تتولاها ست البيت إيذانا بقدوم الزائر العظيم، ومنافسة دعائية تلفزيونية مكثفة للبرامج الدينية والمسلسلات الاجتماعية والتراثية والتاريخية والمسابقات الرمضانية!.
أهلا رمضان ، لكن هل من جديد يأتي به التنافس الإعلامي هذا العام؟ لا يبدو. سأترك الحديث عن الزحمة المسلسلاتية ونتساءل عما سيحضر في البرامج الدينية لأنها الأكثر تأثيرا على عقول الشباب تحديدا ً . فما الجديد إذن؟ ربما المزيد من برامج افتاء تستسهل صناعة وتصدير الفتوى وهل ينقض تفريش الأسنان الصيام وهل يصح أن يمسك زوجي بيدي في نهار رمضان يا شيخ؟.
ربما تكرار لترويج بضاعة مستهلكة، ولا جديد سوى أن القائمين على بعض هذه البرامج يضيّعون الصورة الكبيرة لشهر الفضيلة بتقديم برامج سطحية، لأن هناك من هو جاهز يفتي ويملي ويعيد هذا العام ما قاله العام الماضي وما سيقوله العام الذي يليه بطرح أمور بديهية تتغاضى عن تشابك أمور الحياة وأكثرها أهمية دون أن تضيف للسامع معلومة حقيقية، حتى تضاربت مع بعضها الفتاوى بين البازارات الفضائية وأصبح المزاد للأسف مفتوحا ً على مصراعيه.
إلا أن بعض المشتغلين بالأمور الدينية سيظن أن أهميته تزداد كلما ازداد حديثه تعقيداً وتعسيرا ً، دون أن يأخذ بعين الإعتبار أن العامة لا تستطيع الغوص في الأمور المتفلسفة التي تحتاج إلى نخبة متخصصة في الفلسفة الإسلامية.
مطبّ آخر، فربما في رمضان سيتزايد حضور الواعظات في المجالس النسائية صباحا ً، وليس في الأمر خطأ ننكره سوى أن تصبح ايام الخير والبركة مناسبة لاستقاء خلفية الوعظ والارشاد من الكتيبات الصغيرة والكاسيتات الدينية التي تباع في الأسواق أو على قارعة الطرقات دون التأكد من دقة ما جاء فيها ودون اعتبار لعظم وخطورة هذه المهمة ودون حسن استخدام لمواقف الترغيب والترهيب..بشكل يرسخ لكراهية الدنيا وتهميشها والابتعاد عن جوهر العبادات، ومن ثم القائها على مسامع الأخريات وحثهن على تناقلها كما سمعنها.
الحديث في الأمور الدينية ليس أمرا هينا وليس مجرد وجهات نظر تتعلق بحيز ضيق وتدل على بساطة التفكير ، وليس الدين تعقيدا أو ألغازا، فالناس تعيش حياة عصرية شديدة التعقيد تريد من ييسر عليها ويأخذ بيدها وفق شريعة سمحة وليس من يشعرها بالتأنيب أو كأنها مجموعة من الخطايا.
الافتاء شريعة ومسلك حياة لا يمنح بمثل تلك المجّانيّة، والوعظ والإرشاد مهمة عظيمة وخطيرة يجب أن لا تُترَك لأي شخص يتجاوز كل تلك اللزوميات لأنه يجد في نفسه القدرة على حفظ ما يقرأ أو يسمع ثم دلقه على مسامع الآخرين . فلنتق الله في أنفسنا ولنتق الله في غيرنا ولنتق الله في الأيام المباركات. وكل عام وأنتم بخير.
الراي.