حسب منظمة الصِّحْة العَالَمِيَّة فإن هُنَاكَ ما يقرب من ثمانمائة ألف حَالَة انتحار سنويًا فِي العالم، وَمَع مُرور السَّنَوَات فإن نسبة المنتحرين بِالنَّسْبَةِ لِلْسُكَّانِ تَقلْ فِي العالم، وَلَكِنهم كعدد يزيدون، بمعنى أن نسبة زيادة السكان فِي العالم أعلى من نسبة زيادة الانتحار.
يشيع فِي الوطن العربي أن أعلى نسبة انتحار فِي العالم هِيَ فِي السويد، وهَذَا ليْسَ صحيحًا، فَهِي تأتي فِي المرتبة 34 عَالميًا، وبمعنى آخر فإننا نردد وَطَوال سنوات طَوِيلَة مَعْلُومَة لا أساس لَهَا من الصِّحْة، بَلْ ونبني عَلَيْهَا ما يشبه الحقائق، ونردد مثل الببغاوات ما يقوله غيرنا دونَ تمحيص أوْ مُراجَعَة.
وَلَوْ راجعنا قائِمَة أعلى دول العالم فِي الانتحار فإننا نجد (ليتوانيا، روسيا البيضاء، روسيا، كازاخستان، المجر) حسب تقارير منظمة الصِّحْة العَالَمِيَّة هِيَ الدُّوَل الَّتِي تشهد أعلى نسبة انتحار فِي العالم، وتشير المصادر نفسها إلى أن الانتحار هُوَ من أكثر أسباب الوفاة عند فِئَة الشباب، وَهُنَاكَ تقارير كَثِيرة تَتَحَدَّث عَن أسباب الانتحار، مثل: التشرد، والاكتئاب، وفقدان الشُّعُوُر بالأمان، والأهمية، وضعف التدين، وغيرها من الأسباب.
أمَّا فِي الوطن العربي فإن نسبة الانتحار المسجلة قليلة جِدًّا، وإن كانَ البَعْض يشكك فِي ذلِكَ، ويعزو الأمر إلى حَالَة النكران، وعدم تسجيل كثير من حَالات الانتحار، فأنا اعتقد أنه مَع ذلِكَ فإن النسبة قليلة فِي الوطن العربي، وَهُنَاكَ أسباب لَهَا عَلاقَة بالتدين، والعلاقات الأسرية القوية، والروابط بَيْنَ النَّاس، وغيرها من الأمور.
وَفِي الدُّوَل مُرْتَفِعَة الدخل فإن نسبة الانتحار كَبِيرَة، وَربَّمَا وإضافة لِلأسْبابِ السَّابِقَة فإنه يُمْكِنُ القول أن الثقافة السائدة هُنَاكَ هِيَ أن بَعْض كبار السن يقررون وضع نِهايَة لحياتهم من أجل إنهاء آلامهم، أوْ كَيْ لا يقعوا تَحْتَ رحمة العيش فِي وحدة قاتلة، أو لأنهم فقدوا مَعْنَى الْحَياة، وهَذَا لَهُ عَلاقَة بالتمدن، والحضارة الغربية الَّتِي لَمْ تَسْتَطِعْ رَغْم نجاحها فِي بِنَاء مَنْظُومَة أخلاقية راقية، ومستويات إنتاج عليا، أن تُحَافِظ عَلَى الأسرة، وأن تَصْنَع للإنسان محيطا حَميميًا يجعله يَشْعر بِالسَّعَادَةِ، وهَذَا ما زالت تعيش فِيهِ الدُّوَل العَرَبية إلى حد ما ونتمنى ألا نفقده فِي وَقْت من الأوقات.
ونصدم كَذلِكَ حِيِنَمَا نقرأ نَتَائِج دراسة قام بِهَا أ. د. فايز المجالي حَول ظاهرة الانتحار فِي الأرْدُنّ، وَهِيَ قليلة جِدًّا، وَمَع ذلِكَ فإن معدلات الانتحار فِي المناطق الريفية أكثر مِنْهَا فِي المناطق الحضرية، وَيعزو ذلِكَ إلى عدة أسباب مِنْهَا قلة فرص العَمَل، وسنتطرق لِهَذِهِ الدراسة بِشَكْل موسع لاحِقًا.
الانتحار ظاهرة عَالَمِيَّة لَمْ تمتد حسب الأرقام الرسمية كثيرًا إلى العالم العربي رَغْم ما فِيهِ من مآسي، وَمَع ذلِكَ فَلا بُدَّ أن نحافظ عَلَى الأسرة وَهِيَ عامل قوي إضافة إلى التدين فِي منع الانتحار، ونتمنى عمل مَزيِد من الدراسات حولها فِي أوطاننا كَيْ نَقُوم بعمل إجراءات وقائية، فلا نستيقظ ذَاتَ يَوْم فنجدها قَدْ قفزت إلى أرقام غير مسبوقة. ونتمنى ألا يَحْصل ذلِكَ
Mrajaby1971@gmail.com