الساعة الرابعة والثلث تقريبا ، المكان، الدوار السابع، الوجهة، مرج الحمام، المسافة ، لا تزيد عن بضعة كيلومترات، طابور طويل من السيارات، حركة السير شبه متوقفة، الانفاس قد انحبست، الوجوم والاستغراب خيم على السائقين، التوقعات أغلبها كانت تحوم حول حادث قد وقع واغلق الطريق، الكل يترقب القادم المجهول، والسيارات تغلي وقد ارتفعت حرارتها، والوقود كاد أن ينفذ من بعضها، ما الذي يحدث ، طريق المطار طريق واسع سريع، ويتساءل السائقون هل وصلت بنا حركة السير إلى هذا الحد، وآخر ذهب يلوم نفسه على العيش بعمان، هل تفور الأرض بالسيارات، أم تمطر السماء مركبات، زائر جاهل بديمقرافية السكان سيذهب به الظن عندما يسير على شوارع العاصمة إلى الاعتقاد أن عشرين الى ثلاثين مليون يعيشون في عمان من اصل مئة مليون أو اكثر يسكنون الاردن، ربما سيصاب بالدهشة لو عرف أن عدد سكان الاردن لم يتجاوز ال عشرة ملايين .
ما الذي جاء بي من هذا الشارع، لماذا ساقني القدر اليه، حظي دائما عاثر، وقد غلب خبرتي، هذا ما كانت تحدثني به نفسي، الا انني ما البث أن اقنع نفسي بأن الوضع اصبح مشابه في معظم الطرق، لكن الفضول في معرفة السبب وراء هذا الازدحام المروري كان المسيطر ، وكنت ارتقب وانتظر بفارغ الصبر معرفة السبب.
مضت اكثر من أربعين دقيقة من الدوار السابع حتى وصولي إحدى محطات الوقود التي تقع قبل مفترق طريق مرج الحمام، وفي العادة لا تحتاج المسافة اكثر من ثلاث الى اربع دقائق، اشاهد عن قرب سيارات وطوابير من السيارات تقف على محطة الوقود، وعديد من رجال الشرطة يقومون بتنظيم حركة السير وقد بدت عليهم علامات التعب والارهاق لكنهم مستمرون كعادتهم في أداء الواجب بهمم ومعنويات عالية، ذهب بي الظن سريعا إلى أن الحكومة في صدد رفع أسعار المشتقات النفطية، ليتضح أن ظني كان سيئا كحال ظن المواطن دوما بالحكومة، وعندما عرفت السبب زاد العجب، خمسة دنانير كانت بانتظار السائق الراغب بتعبئة خزان وقود سياراته بعشرين دينار، هذا عرض كانت قدمته للسائقين إحدى محطات الوقود لساعات قليلة.
في مشهد آخر سيارات وازدحام مروري على الشارع المحاذي لأحد المولات التجارية، العديد من عربات التسوق تخرج ممتلئة بالسلع، قائمة اسعار لبعض المواد التموينية تضمنت تخفيضات كبيرة على سعر كيلو الخيار ، وسعر كيس السكر، وبعض السلع الاخرى.
كنت دائما اقع في نفس الغلط، وأبدأ بلوم نفسي ومعاقبتها عندما اسلك ذلك الشارع النحس، حيث يوجد مطعم يقدم وجبات سريعة يتهافت الجائعون اليه، وعلى ذمة البعض ممن ليس لهم ذمم وبطونهم مفجوعة، لا يوجد ازكى والذ من طعامه لأنه يقودك الى ليلة حميمية، ويجعلك غصبا تشعر بلذة يتبعها نشوة ورعشة لا مثيل لها !!!! .
على الطريق الواصل بين اربد وعمان وأثناء رحلة العودة، ادعو الله ان لا يكون هناك فرح أو حفلة عرس في إحدى صالات الافراح الموجودة في نهاية البقعة بمحاذاة الشارع الرئيسي الذي يربط وسط وجنوب المملكة بشمالها، حيث يغلق المدعوون الطريق أو يعيقون حركة السير على الشارع الرئيسي الدولي ويتسببون في ازدحامات مرورية وتعريض حياة المواطنين للخطر.
مشاهد مؤلمة مبكية، تثير الغثيان في النفس، تؤشر الى ثقافة مغلوطة، والى نمط سلبي من ثقافة الاستهلاك، كما تشير في الجانب الاخر منها إلى تخطيط وعمراني مدمر ابله ومجنون يحتكم إلى المصالح الشخصية ، ويعطي مؤشرات على حجم الضغط النفسي الذي بات المسيطر والغالب على نفسيات المواطنين وهم يتجرعون مرارة رحلة الذهاب والعودة من أماكن عملهم أو أثناء قضاء حوائجهم .
شركات، بنوك، مدارس، مؤسسات حكومية، صالات افراح، دكاكين ومحلات تجارية، تقام على جوانب الطرق بطريقة بدائية بلهاء عشوائية وفوضوية، وبدون مواقف سيارات تكاد تكفي ربع الزبائن والمراجعين، وعمارات سكنية بشقق متلاصقة يعيش فيها أكثر من عدد طلاب بعض المدارس، وبمواقف سيارات بالكاد تكفي نصف عدد السيارات المطلوبة لقاطني هذه المباني، وبعضها غير قابل للاستخدام، حيث تعج الشوارع بالسيارات المصطفة والمتوقفة مسببة عرقلة وصعوبة في حركة السير على تلك الشوارع.
في المقابل فإن هناك نسبة كبيرة من الأراضي غير المشغولة في العمران في العاصمة عمان، وحركة العمران مستمرة وبوتيرة متسارعة، فإذا كان هذا هو حال حركة السير في الوقت الحاضر، فكيف ستؤول الأوضاع المرورية في السنوات القادمة، بالتأكيد فإن القادم أسوأ بكثير.
رئيس الوزراء أشار إلى أن أولوياتنا في المرحلة القادمة معالجة أوضاع النقل العام ، وتحسين الخدمات، وهذه من اكثر الأولويات تعقيدا، وأكثر الملفات صعوبة لأنها ترتبط بإرث من الماضي الذي كان الفساد والمحسوبيات والوساطات وسوء التخطيط والتخبط في اتخاذ القرارات مسيطرا علية لعقود من الزمن، نبارك لدولته هذا التوجه، ونأمل بتعاون وتكاتف كافة الجهات المعنية، وأن نرى على أرض الواقع إجراءات وحلولا ملموسة تسهم في تخفيف معاناة المواطنين، الا أن الواقع مؤلم والقادم اسوأ، والنفق مظلم ومعقد، والحلول باتت متواضعة، لكن مازالت هناك بارقة امل وفسحة من التفاؤل، تحول بيننا وبين القول فات الاوان أو ( فات السبت).