تقف وزارة العمل على ثغر من ثغور الوطن الاقتصادیة بالمعنى الحرفي للكلمة. إصلاح سوق العمل وتنظیمھ، وضبط العمالة الوافدة وإلزامھا بإصدار تصاریح قد یدر على الخزینة مئات الملایین، ویساھم بالحد من البطالة. ھذا الملف الشائك والتحدي الكبیر ما یزال بحاجة لإجراءات تنفیذیة فعالة تحقق میدانیا القرارات العدیدة التي یتم اتخاذھا، لكن ھذا لا ینفي الحاجة لمراجعة السیاسات والقرارات وتقییم آثارھا.
قرار تقنین ووقف استقدام العمالة الوافدة، بالتحدید، یحتاج لتقییم وإعادة نظر، لأن الھدف الأساسي منھ لم یتحقق، فالعمالة الأردنیة لم تحل مكان الوافدة كما كان مؤملا وبالتالي لم تنخفض معدلات البطالة المرتفعة. ما حدث عملیا نتیجة لھذه السیاسة أن أجور العمالة الوافدة ارتفعت ما أدى لارتفاع كلف الإنتاج، وبقیت القطاعات التي تحتاج العمالة الوافدة تبحث عن بدیلھا الوطني ولا تجده، وإن وجدتھ فالإنتاجیة والالتزام أقل من العمالة غیر الأردنیة في مؤشر إلى أن القوى العاملة الوطنیة ما تزال تمیل وتبحث عن الوظیفة حتى لو كانت الأعمال الأخرى مجزیة مالیا أكثر من الوظیفة.
فتح المجال للعمالة الوافدة سیقلل أجورھا ویخفض تكالیف الإنتاج، وسیزید الاستھلاك والطلب الكلي على السلع والخدمات، وھو أمر محفز للنمو، وسیزید عوائد الخزینة خاصة إذا ما نجحنا بالسیطرة على شأن تصاریح العمل. ما الذي یمنع من تسفیر كل من یضبط دون تصریح عمل ویستقدم بدیل أو بدلاء عنھ؟ الاستقدام الجدید حكما سیزید عوائد الخزینة. تنفیذ ذلك لیس مستحیلا ولكن یجب أن یضبط الفساد المرتبط بعملیة ملاحقة العمالة غیر الحاملة للتصاریح
وبحزم، لأننا ما نزال نسمع عن قصص مشینة حول ھذا الأمر. نجحت دول الخلیج في ضبط ھذا الأمر وبشكل ملفت، فما بالنا نخفق!
قد یظن أن ھذا الأمر ذو بعد سیاسي خاصة مع الشقیقة مصر؛ ھذا صحیح جزئیا، لكن إذا ما واصلنا فتح سوق العمالة أمام الاشقاء المصریین، بل ونزیل أي قیود عددیة علیھ، فالمعیق السیاسي سیزول. تسفیر العامل المصري بغیر تصریح سیكون ذا تكلفة سیاسیة إذا لم یترافق مع فتح سوقنا لغیره، والأشقاء في مصر بالتأكید سیقبلون ویحترمون ذلك خاصة بمعرفتھم لأوضاعنا الاقتصادیة الصعبة جدا. المصریون یعلمون ویقدرون جدا مواقف الأردن تجاه مصر وشعبھا وقیادتھا؛ جلالة الملك حمل لواء الدفاع عن مصر ومكانتھا ودورھا الإقلیمي المحوري وإعادتھا للمنظومة الدولیة بعد أن كانت مقاطعة ومستھدفة. كانت مصر واستقرارھا في محور نقاشات جلالة الملك الدولیة، لذلك فلم ولن یتخذ الأردن أي إجراء یضر مصر اقتصادیا، لكن تنظیم العمالة المصریة حق اقتصادي للأردن یفھمھ ویحترمھ الأشقاء، وبما لا یضر أو یقلل من حجم العمالة المصریة بل یزیدھا.
وزیر العمل وفریقھ من خیرة المسؤولین المشھود لھم بالحرفیة والاستقامة والمثابرة، لكن الوزارة فیھا خراب وتغلغل في بعض أجزائھا الترھل والفساد. قرار فتح الباب للعمالة الوافدة قد یحد من ذلك الفساد، خصوصا إنھ یتوجب أن یكون بالتزامن مع سیطرة میدانیة محكمة على فرق التفتیش على العمالة غیر المرخصة.
الغد