ظل العدو الصهيوني يستخدم التطرف سلاحا فتّاكاً لضرب المقاومة الفلسطينية. مبكِّراً خلص صلاح خلف (أبو إياد) في "فلسطيني بلا هوية" إلى أن المتطرفين إما "عملاء أو أغبياء"، وما درى أنه سيقضي على يد من نفّذ تعليمات الموساد، وهو يحسب أنه يلبي نداء "المناضل" أبو نضال.
في قضية "السلفية الجهادية" في غزة يبدو موضوع الاختراق واضحا. فأنا أعلم مدى صدق وبأس تلك الثلة التي أثخنت في المحتل داخل العراق وأسهمت بشكل أساسي في إحباط مشروع المحافظين الجدد الذي كان لو نجح سيغير وجه المنطقة. وأعلم أيضا كم نجح الاحتلال وعملاؤه في استدراج مجموعات منها واستخدامها وإشغالها في حرب أهلية مدمرة.
لم يتلق المشروع الجهادي في العراق ضربة كتلك التي تلقاها مع إعلان "دولة العراق الإسلامية"، وباسم إقامة الدين والبيعة لأمير المؤمنين انتعش مشروع الصحوات؛ العشائر التي لم تعط الدنية لصدام تجبر فيها أحداث وصبيان باسم التوحيد والعقيدة الصافية، والفصائل السابقة في قتال المحتل غدت مستهدفة مثل المحتل والشرطة المرتدة.
يخطئ السلفيون عندما يكررون خطأ العراق في فلسطين. فنشر العقيدة الصافية والتوحيد الخالص لا يكون بافتعال معارك جانبية بل بتجنيد كل الطاقات لقتال الصهاينة. ساعتها ستنتشر الدعوة السلفية بقوة الجاذبية لا بالإكراه. أما خشي دعاة السلفية من التشيع بعد انتصار حزب الله في حرب تموز؟ القضية ليست صراعا مذهبيا بل صراع وجودي بين أمة العرب والإسلام من جهة والمشروع الصهيوني الذي يحاصر ويدمر بعد أن شرد واحتل.
ألم يتعلموا من درس "جيش الإسلام" في اختطاف صحافي البي بي سي؟ حسب قول ممتاز دغمش أمير الجيش فإنه تعلم الإسلام على يد الإخوان وشارك في دورات النقباء وبايع الشيخ أحمد ياسين وهو كان من نشطاء القسام، وشارك في اختطاف شاليط، إلاّ أنه في ظل الصراع بين حماس وفتح استخدم من دحلان في إشاعة الفوضى، وروى الصحافي بعد أن حررته حماس كيف غدا خاطفوه عصبيين بعد الحسم العسكري لحماس.
في الفلوجة أيام عزها رضي أبو أنس الشامي، مفتي التوحيد والجهاد الذي قضى في محاولة تحرير سجناء أبو غريب برئاسة الصوفي عبدالله الجنابي لمجلس شورى المجاهدين، وكان يومها للتوحيد والجهاد يد عليا. واليوم لا تقبل جماعات دونها بقيادة حماس في غزة، وهي التي قدمت آلاف الشهداء والأسرى والجرحى.
لا توجد إمارة ولا دولة ولا حكي فارغ، توجد مقاومة مفتوحة لكل راغب، وها هي الفصائل الماركسية على تواضع حضورها الجماهري لها فعلها المقاوم، والجبهة الشعبية قضى أمينها السابق أبو علي مصطفى وما يزال اللاحق أحمد سعدات أسيرا في سجون العدو.
توجد قيادة للمقاومة ليس بالأقدمية، وإنما بالتضحيات وبحسب حماس ما قدمته في الحرب الأخيرة من خيرة أبنائها وقادتها. أكثر الشهداء حتى من المدنيين والأطفال هم من عائلات حمساوية وأبناء غزة يعرفون بعضهم جيدا ومن لا يصدق فليرجع للصحافة الإسرائيلية.
على حماس أن تدرك أن تنوع الفصائل الجهادية رصيد لها، والسلفيون جلهم أهل صدق. هم كأبي جندل في السيرة "مسعِّر حرب لو أن له رجال"، يظلون في حل من التزامات حماس التي قد تضطر لها.
الصدام بين حماس والسلفيين الذي لاحت نذره لا يخدم إلا العدو وعملاءه، وسينفر الناس من الإسلام والمقاومة معا. وعلى السلفيين أن يدققوا في مسارهم، فهم دعاة في شعب مجاهد مصابر لا يجد قوت يومه وجهادهم جهاد نكاية في العدو لا جهاد تمكين.
لا يجدر بهم أن يتركوا المجال للعملاء والأغبياء ليسوقوهم لقتال إخوانهم وشعبهم. وأحسب أن العقلاء من أمثال حامد العلي وأبو محمد المقدسي مع عقلاء حماس قادرون على وأد الفتنة وتوجيه السلاح نحو العدو الصائل وحده.
yaser.hilala@alghad.jo
الغد