كعادته..ومنذ ان بزَغ نجمه في الفضاء العربي كأمين عام للجامعة العربية, بعد أن"انتهى"دوره كوزير للخارجية المصرية، وبعد ما قيل في حينه, وإن دخل ذلك في باب الإشاعة والتهويل, أكثر منه حقيقة مُثبَتة..أنّ "حسني مبارك أطاحه بعد عشر سنوات من وظيفة شغلَها منذ العام 1991 حتى السنة الأولى من الألفية الجديدة 2001، قيل:فقط لأنه(مُبارك)خَشِي ان يُنافِسه موسى في انتخابات الرئاسة,كونه"راجَ"داخل مصر وخارجها, أن موسى"أنجَح"وزير خارجية في عهد مبارك, وأنه"أهل"لقيادة مصر بعد عِقدين من حُكْم مُبارك الفاشِل.
ما قيل في هذا الشأن, لا يعدو كونه تلميعا إعلاميا للرجل, وربما كان نِكاية في مبارك, عندما بدأت عجلة"تَوريث"نجله الأصغَر (جمال) بالدوران، ما استدعى من أوساط داخلية مُعارِضة وأُخرى خارجية وإقليمية لإدارة عملية تخويف وتخّير لنظام هو"ذُخرٌ إستراتِيجِيّ"لإسرائيل للتيقُّظ والإنتباه.
نقول:كعادته في التعميم, وقول الشيء ونقيضه.ذهَبَ أمين عام جامعة الدول العربية الأسبق عمرو موسى, في محاضرتِه بمؤسسة عبدالحميد شومان قبل يومين, الى إطلاق المزيد من تعميماتِه والإفراط في استخدام المُصطلحات المُرسَلَة, التي تقتصر على العناوين البرّاقة.ودائما في تجهيل الجِهات والشخصيات والأنظمة, وتجنُّب تسمية الأسماء بأسمائِها, وبخاصة الإنخراط في عملية إصدار الأحكام والظهور بمظهر الحُكماء, الذين يزعمون التوفّرعلى رؤى وقدرات ملموسة على استشراف المستقبل. وهو غالبا ما يضَع نفسه في صفوف هؤلاء بل في صدارتهم. ولأن المقام لا يتّسِع لمناقشة كامل ما ورد في محاضرته الطويلة (ذات الحضور الغفير, كما نقلت وسائل الإعلام), فإن الإضاءة على بعضها, قد تُغني ربما عن تناول كثير من العموميات, التي جاءت على لسان صاحب الكتاب المَوسوم"كِتابِيَه", والذي حفل عند صدور جُزئه الأول, بكثير من المتابعة والردود الغاضِبة والمُندِّدة, بعد ان أفرط الرجل في الحديث النرجسِي عن دوره في المشهد الدبلوماسِي المصري, وخصوصا عند ذهابه بعيدا في الإساءة واختراع الإتهامات الحاقدة ضد الزعيم الخالد جمال عبدالناصر, حدّ الزعم (حتى لا نقول وصفاً آخر), بأنه(عبد الناصر) كان يطلب وجبات خاصة تأتيه بالطائرة من(سويسرا), حيث كان موسى مُجرّد موظف صغير في السفارة المصرية هناك, ما أثار عاصفة من التكذيب والإحتجاجات, واعتبار ما ورد في كتابه حِقدا قديما ومسايَرة بل تغطية لمسيرته, التي تنكّر فيها للحقبة الناصرية والتحاقه بحقبة"بطل"الحرب والسلام انور السادات, وخصوصا في خدمته لنظام قائد"الضربة الجَوّية الأولى", الذي ثار عليه الشعب المصري وأسقطه في ثورة, دوّت أصداؤها في العالَم أجمَع.
ما علينا..
يدعو عمرو موسى الى ربيع عربي ثانٍ (..) بعد ان عانينا (يقول) من الفوضى التي أتى بها الربيع العربي"الاول". لم يقُل لنا كيف.. انطلَقت هذه الفوضى؟ ومَن اطلقها.ولم يأتِ بجديد عندما قال بعمومية مُفرِطة: ان الفوضى هذه, كانَت"نِتاج شبكة من الأسباب التي تفاعَلَت سوِيا.ثم يذهَب صاحِبنا فورا وعميقاً الى عموميات أوسع, يُفترَض ان لا يلجأ اليها ما دام جلس على كُرسِي المُحلِّل والمُجرّب وصاحب الخِبرة الطويلة, ليقول:هذه الأسباب,تندرِج تحت أخطاء داخلية ومُؤامرات إقليمية وتدخّلات خارِجية.
أي جديد في هذه الاقوال المُكرّرة والمعروفة,التي تنطبق على أي أزمة يمكن ان يَقع فيها اي بلد في العالم,حتى تلك الكُبرى التي تتدّخل في شؤون الآخرين ويصعب التدخل في شؤونها,لكننا وجدناها أخيرا في عهد رئيس مُتقلِّب وغير مُتوقّعة أفعاله اسمه دونالد ترمب.تزعُم أجهزَته الإستخبارية والنافذون في السلطة التشريعية(الكونغرس بجناحيه),أن روسيا تدخّلت في الإنتخابات الرئاسية الأميركية.
ثم يأخذنا أمين عام الجامعة الأسبق عميقاً,نحو الكلام الذي يقول كل شيء ولا يقول شيئا:".. نحن بحاجة لإنتاج ربيع عربي ثان، ربيعا حقيقيا يصب في خانة الإصلاح والإنطلاق نحو المستقبل",فلا يَصِحّ– يُضيف معاليه –ان تنطلِق الأقاليم كُلها في قارات العالم المُختلفة,ويتراجَع الإقليم الذي نَعيش فيه ويحمِل اسمنا.
كلام جميل كأنه الشِعر,لكنه لا يُضيء على الأسباب التي(أدَّت) بنا الى هذه الحال البائسة،وخصوصا تجنّبه"المحسوب والمقصود"بعدم التأشير على مَكامِن الأزمات التي تعصِف بنا أسبابها وخصوصاً دور معظم الأنظمة العربية في تعميقها.على نحو باتت جُزءاً رئيسا في المشهد العربي.الذي كرّسَته حال الجامعة العربية التي ترأّسها عشر سنوات.وكانت رئاسته لها كارِثية بامتياز(رغم أنّه يصِفها الآن بانها"العنوان العربي والمُمثِّل الحقيقي للموقف العربي"،وكان حرياً به ان يتذكّر هذه العبارات عندما فوّضت"جامِعتَه العربية,حلف الأطلسي اجتياح ليبيا وإسقاط نظام القذافي,الذي كان عضوا في هذه الجامعة.ما يعني ضمن أمور أُخرى,تهافُت خطابه وكل ما قال في محاضرته,عندما دعا الى"ضرورة قَلْب التحدّي الإقليمي الحالي ضد العرب,والإستخفاف العالَمي بِهم وبحقوقِهم ومصالِحهم,والتعامل معهم بِجدية واحترام.وصولاً الى أن يضعوا مصالِحنا باعتبارِهم".
مَنْ الذي عليه الآن ان يَقلِب التحدّي الإقليمي والعالمي؟.
ومَنْ الذي يَستهتِر بالعرب...أنظِمتَهم؟أم الإقليم والعالَم؟.
.. هذا لم يقُله في محاضرَتِه.
فعلى مَنْ يتلو موسى... مَزامِيره؟.
kharroub@jpf.com.jo
الرأي