الورقة النقاشية السادسة نموذجا
القاضي د.محمد الطراونة
13-02-2019 07:21 PM
بتاريخ 16/10/2016 طرح جلالة الملك المعظم للنقاش عدة اوراق عمل ،ومن ضمنها الورقة النقاشية السادسة والتى تحمل عنوان (...سيادة القانون اساس الدولة المدنية ..) ،وهذه الاوراق تشكل فى مجموعها خارطة طريق لمستقبل الاردن فى شتي مناحى الحياه ،سياسيا ،اقتصاديا ،اجتماعيا،تربويا وتشريعيا، مع التنويه الى ان القيادة الواثقة بنفسها وبشعبها ،والدول العميقة والرشيدة هى التى تقدم على طرح مثل هذه الافكار والروؤى .
ومع الاهمية البالغة لكافة الاوراق النقاشية ،وترابطها مع بعضها البعض ،فأن ما تضمنته الورقة النقاشية السادسة يعتبر نقطة ارتكاز ومحور رئيس للاوراق الاخرى،كون سيادة القانون هى المظلة التى تحمى مسيرة الديمقراطية والاصلاح فى المجتمع وعنصر محفز لاحداث التنمية والتطوير.
وللدلالة على اهمية ما ورد فى هذه الورقة فقد تم وبتاريخ 18/10/2016 تشكيل لجنة ملكية لتطوير الجهاز القضائي وتعزيز سيادة القانون ،والتى وضعت توصيات محددة وواضحة هدفها تنفيذ مضامين الورقة النقاشية السادسة وفى محورها الخاص بالقضاء الاردني.
وبتاريخ 8/1/2018 وخلال لقاء جلالة الملك مع رئيس مجلس النواب والمكتب الدائم وروؤساء واعضاء لجان المجلس قال جلالته (..انني قدمت اكثر من ورقة نقاشية لشعبي ولكنني لا ارى ان هناك تطبيقا كافيا من قبل المؤسسات المختلفة ،فلابد ان تنعكس هذه الافكار على ارض الواقع من خلال الفعل وليس القول فقط ..)
والسوال الذى يطرح نفسه فى هذا المجال ،هل تجاوب القضاء الاردني مع الافكار والروؤي الواردة فى الورقة النقاشية السادسة؟
ولمحاولة الاجابة على التسأ ول المثار،وبكل موضوعية،وبكل ما تقتضيه الامانة والواجب والانصاف اقول:-
ان القضاء الاردني ليس بمعزل عن قضايا وهموم المجتمع المحيط به، والتقط القضاة الاشارات الاولية التى تضمنتها الاوراق النقاشية بشكل عام والورقة النقاشية السادسة على وجه الخصوص ،حيث تم الشروع فى تنفيذ توصيات اللجنة الملكية وما جاء فى الورقة النقاشية السادسة فعلا لا قولا وتطبيقهما على ارض الواقع ،من خلال العديد من الاجراءات القضائية والادارية والتى يمكن استعراض ابرزها على النحو التالي:
على صعيد العمل القضائي ومن خلال الاجتهاد القضائي لاعلى هيئة قضائية- محكمة التمييز – نجد ان ماورد فى قرار محكمة التمييز الاردنية رقم 870/2017 الصادر بتاريخ 27/4/2017 يلخص ما اسلفنا قوله ،حيث ورد من متن القرار المشار اليه انفا مايلي ( ...ولما كانت الاطالة فى امد التقاضي تخالف ما ورد فى الورقة النقاشية السادسة لجلالة الملك المعظم فيما ركزت عليه من السرعة فى الفصل فى الدعاوى مما بقتضي التنويه ...) فان ماورد فيه يعتبر بمثابة توجيه لكافة المحاكم الادني درجة من قبل اعلى هيئة قضائية بضرورة ايصال الحقوق لاصحابها باقصر واسرع طرق التقاضي، كون العدالة الناجزه والفعالة احد اهم ركائز الدولة المدنية ،دولة سيادة القانون.
هذا من جهة ومن جهة اخرى فقد انعكس توجيه وتعميم صانع القرار القضائي على المحاكم باختلاف انواعها ودرجاتها بضرورة تقصير امد التقاضي ،الامر الذى انعكس ايجابا على لغة الارقام والاحصائيات من حيث الفصل فى الدعاوى وضمن معايير المحاكمة العادلة ،وهذا ما اصبح يلمسة المحامى والمتقاضي والمواطن ،وقد تاتي ذلك ضمن مؤشرات قياس سوف يتضمنها التقرير السنوى لاعمال المحاكم ، وقد ساهمت التعديلات التشريعية الاخيرة المتعلقة بالقضاء والتى كانت من ضمن مخرجات اللجنة الملكية لتطوير القضاء بذلك ايضا .
ولابد من التنويه الى ان الفصل فى الدعاوى يتم ضمن التركيز على جودة الاحكام ومعايير المحاكمة العادلة ، اى بعدالة ناجزه وفعاله.
وحيث ان القضاء الناجز والفعال هو اليه ناجعة لجذب الاستثمارات لاى اقتصاد يتماثل فى الظروف مع الاقتصاد الاردني ، فقد تم اخذ ذلك بعين الاعتبار من خلال عدد من الغرف الاقتصادية المتخصصة التى تعنى بالقضايا المالية للمؤسسات المالية الكبرى محلية كانت او اجنبية ،حيث تعمل تلك الغرف على ايجاد سبل حل النزاعات البديلة مثل التحكيم والوساطة وادارة الدعوى المدنية ،الامر الذي يوفر الكلف الاقتصادية والوقت والجهد على المتقاضين ،وصولا للهدف الابعد مدى المتمثل بكون القضاء اداة فعالة لجذب الاستثمار من خلال اجراءته الناجزة والفعالة.
وعلى صعيد السياسات التى اعدت وفق منظور استراتيجي فقد طرح المجلس القضائي فى الفترة الاخيرة وبالتعاون مع وزراة العدل كذراع تنفيذي للمجلس القضائي خطط تشغيلية واستراتيجيات (قصيرة،متوسطة وطويلة الامد) تعتبر بمثابة تحليل وتنفيذ لما ورد فى الورقة النقاشية السادسة ووضعها مع توصيات اللجنة الملكية لتطوير القضاء على ارض الواقع والتى يمكن ايجاز ابرز ملامحها بما يلي:-
1- تعزيز استقلال السلطة القضائية ، كون القضاء الناجز الفعال والمستقل هو عماد الدولة المدنية الحديثة القائمه على مبدأ سيادة القانون ،حيث تم اعادة تشكيل المجلس القضائي من حيث العضوية فيه بما يضمن تمثيل كافة المحاكم على اختلاف درجاتها وانواعها ومراعاة الاسس الخاصة بالجندر بعد ان بلغت نسبة النساء القاضيات بحدود 17% من مجموع القضاه ،كما تم مراجعة وتفعيل اجراءات التفتيش القضائي ورفع قدرته المؤسسية ،وتمكين وتطوير جهاز النيابة العامة ودائرة المحامى العام المدني ،وكل ذلك تكريس عملى لمبدأ سيادة القانون .
2- ولكون العنصر البشري (القاضي) والاحهزة الادارية المساندة له عامل مهم لتعزيز مفهوم سيادة القانون فقد تمت مراجعة وتحديث وتطوير الاسس الخاصة بنقل القضاه وانتدابهم وتعينيهم ،وتم اقرار مدونة السلوك القضائي لاهميتها فى اقرار الترابط العضوى بين السلوك الشخصي والعمل القضائي ،حيث اشارت تلك المدونة الى حظر الواسطة والمحسوبية التى اشار لها جلالة الملك فى اكثر من مناسبة وشدد على مواجهتها بكل السبل ،كون سيادة القانون تفترض التعامل مع الجميع وعلى درجة واحده وعلى مبدأ المساواه التامة بين الجميع من خلال قضاء مستقل وفعال وفقا لما تقضي به المادتان (6و97) من الدستور الاردني ،هذه المفاهيم التى ترجمتها المحاكم عمليا من خلال اجتهادتها القضائية.
3- وتم العمل على رفع القدرات والمهارات المعرفية للقضاه وتطوير الموارد البشرية ،وتبادل الخبرات والتجارب مع الاخرين وخصوصا الدول التى لديها تجارب متقدمة فى العمل القضائي ،ونذكر فى هذا الصدد الزيارات الميدانية لكل من فرنسا ومصر والمغرب للاطلاع على تجربة المكتب الفنى لديها .
4- ونظرا لاهمية التدريب والتعليم القانوي المستمر فقد طلب المجلس القضائي وبتاريخ 4/1/2018 من كافة القضاه تحديد احتياجاتهم التدريبية من خلال برامج معدة بعناية ،كون فروع العلوم القانونية تطورت فى الفترة الاخيرة بشكل متسارع وذلك ترجمة عملية لما طرحه جلالة الملك فى المؤتمر القضائي الاول حيث شدد على ضرورة مواكبة القضاء الاردني العصرنه والحداثة.
5- تطبيق معايير المحاكمة العادلة من خلال الارتقاء بجودة الاحكام القضائية من خلال انشاء الغرف القضائية المتخصصة وتفعيل المكتب الفنى لهذه الغاية سواء فى محكمة التمييز او المحاكم الاستئنافية ،وتم التخفيف من الروتين من خلال توحيد الهياكل الادارية فى المحاكم ودوائر التنفيذ ،كما تم تفعيل اجراءات التقاضي واستخدام اليات الحلول البديلة للمنازعات وتبني بعض بدائل العقوبات السالبه للحرية التى تجلت فى تطوير نظام العدالة الجنائية للاحداث القائم على قضاء متخصص للاحداث .
6- ولكون الاسرة هى عماد المجتمع باسرة فقد تم ايلاء الاسرة الاهمية التى تستحق من قبل القضاء من خلال تخصيص قضاه للنظر فى قضايا العنف الاسرى واستخدام التقنيات الحديثة عند اخذ افادات ضحايا العنف الاسري وتجلى ذلك بوضوح من خلال مذكرة التفاهم التى تم توقيعها مابين المجلس القضائي والمجلس الوطني لشوؤن الاسرة
7- ولكون ثقة الفئة المستهدفة (الجمهور) مهمة لتعزيز سيادة القانون ،فقد اجريت اكثر من دراسة لتبيان مدى رضا متلقي الخدمة ،ومثال ذلك مشروع الشراكة والمسوؤلية الاجتماعية الذى تم تنفيذه فى محكمة بداية شمال عمان مع منظمة كير العالمية .
8- وايمانا بالشراكة مع الاخرين والتى هى احد اهم ركائز الدولة المدنية الحديثة ،فقد عمل المجلس القضائي على مأسسة وتعزيز الشراكات المحلية والاقليمية والدولية ذات الصلة بالعمل القضائي مثل:-
أ- على الصعيد المحلى (القطاع الخاص،النقابات المهنية خصوصا نقابة المحامين،المؤسسات المالية الكبرى،شركات التامين،منظمات المجتمع المدني،الاعلام،كليات الحقوق فى الجامعات الاردنية ).
ب- على الصعيد الاقليمي تم تفعيل اتفاقيات التعاون القضائي الثنائية والاقليمية مع دول المحيط وكذلك فى اطار جامعة الدول العربية واخرها المشاركة فى اجتماع الحمعية العامة للقضاء الاداري العربي الذى عقد بتاريخ 8/1/2018 .
ت- وعلى الصعيد الدولي فقد تم فتح افاق جديد للتعاون مع المنظمات الدولية المتخصصة مثل برنامج الامم المتحدة الانمائي والاتحاد الاروبي وبرنامج الشراكة الاورو- متوسطية من خلال برنامج اليورو- ميد .
9- وعلى صعيد العدالة الالكترونية وصولا للحكومة الالكترونية والتى توفر الجهد والوقت والكلف على المواطن فقد اتخذت وبالتنسيق مع وزارة العدل اتمتة بعض الاجراءات الكترونيا مثل الحصول على عدم المحكومية والتبليغات والاستعلام عن الدعاوى الكترونيا .
وختاما:
فان ما تم ذكره انفا هو بشكل موجز مما يجرى حاليا فى القضاء الاردني الذى يعمل بصمت وبعيدا عن الاضواء ترجمة لروؤى القاضى الاول جلالة الملك ،حيث يعمل القضاء بشكل مؤسسي وبالبناء على ما انجز من قبل الادارات المتعاقبة على ادارة الجهاز القضائي ،متمنيا ان تحذو كافة مؤسسات الدولة الاردنية حذو القضاء الذى يعمل تطبيق الاوراق النقاشية فعلا لاقولا وعلى ارض الواقع ،بل واكثر من ذلك فان القضاء يعمل حاليا على تطبيق اى محور ورد فى الاوراق النقاشية الاخرى التى للقضاء علاقة بها ايمانا من القضاء الاردني ان الاوراق النقاشية كافة التى طرحها جلالة الملك كافة وهى:-
الاولى: مسيرتنا نحو بناء الديمقراطية المتجددة
الثانية: تطوير نظامنا الديمقراطي لخدمة جميع الاردنيين
الثالثة: ادوار تنتظرنا لنجاح ديمقراطيتنا المتجددة
الرابعة: نحو تمكين ديمقراطي ومواطنة فاعلة
الخامسة:تعميق التحول الديمقراطي (الاهداف والمنجزات)
السادسة: سيادة القانون اساس الدولة المدنية
السابعة: بناء قدراتنا البشرية وتطوير العملية التعليمية جوهر نهضة الامة
تشكل منظومة متكاملة وخارطة طريق لكافة مناحى حياة المجتمع ، تلك المنظومة التى يعمل القضاء جاهدا على تطبيقها ،كون القضاء هو الحارس الطبيعي للحقوق والحريات وخط الدفاع الاول عنها ،ويدرك اى – القضاء الاردني – ان ما ورد فى تلك الاوراق النقاشية يشكل افكار عملية وروؤى لصياغة المستقبل الاردني.