نفط الأردن بين أضرحة الصحابة والمغطس
عمر الرداد
13-02-2019 12:41 PM
قليلة هي الإحصاءات ذات الدلالات الاقتصادية المحلية والدولية، التي تدفع الأردنيين للتفاؤل بالمستقبل، بدءا من المديونية التي تتفاقم، وخدمة الدين والبطالة والفقر وموقع الأردن في الإحصاءات الدولية الخاصة بجودة الجامعات والغلاء بين العواصم وغيرها الكثير من الحقول والقطاعات، ومع ذلك فان هناك قطاعات يمكن النظر إليها بعين الرضا والأمل، من بين هذه القطاعات قطاع السياحة، الذي تشير أرقام البنك المركزي ووزارة السياحة انه حقق دخلا خلال العام 2018 بحوالي 5 مليارات دينار، جاءت من زيادة ملحوظة في أعداد السياح العرب والأجانب للأردن في العام الماضي.
ربما يشكل قطاع السياحة في الأردن، رغم حاجته لكثير من متطلبات التغيير، في الإدارة والثقافة والتسويق وتطوير البنى التحتية، احد ابرز القطاعات التي يمكن ان تساهم في خروج الأردن من عنق الزجاجة، ومواجهة أزمته الاقتصادية المتفاقمة، والتخفيف من ضغوطاتها، اذ يمكن مضاعفة الخمس مليارات لتصبح عشر مليارات.
لا نتحدث عن زيادة أعداد السياح في المثلث الذهبي"العقبة، البتراء والبحر الميت"، فقط، ولا جرش وعجلون ومادبا وأم قيس وبقية محافظات المملكة، وإنما الحديث عن السياحة الدينية، في موقعين وهما: الكرك حيث أضرحة الصحابة، والأغوار حيث المغطس.
أضرحة الصحابة في الكرك، وما تمثله بالنسبة لأتباع المذهب الشيعي من عرب وإيرانيين، والزيارات التي كانت تتم لهذه الأضرحة في مراحل سابقة وتدر دخلا سياحيا مهما، تم وقفها منذ سنوات لأسباب أمنية ودينية، ربما أصبح مناسبا إعادة النظر فيها، فالإيرانيون والعراقيون واللبنانيون من أتباع المذهب الشيعي من اكبر المستثمرين اليوم في تركيا، ويمارسون طقوسهم خلال موسم الحج في السعودية، ولمعالجة المخاوف الأمنية والسياسية فيمكن اتخاذ ترتيبات أمنية محددة لضمان وصول السياح من إيران والعراق ولبنان الى مناطق الأضرحة في الكرك فقط، بما فيها توجيهات من مراجعهم الدينية، وثقة بيقظة أجهزتنا الأمنية.
الربط بين السياسة والسياحة لم يعد سياسة حكيمة، ويدرك الأردن المخاطر والتوجهات والرسائل الايجابية التي ترسلها طهران، فنجاح الاتفاقيات الاقتصادية مع الحكومة العراقية لم تكن لترى النور لولا موافقة طهران، وكذلك مفاوضات الفرقاء اليمنيين في عمان لم تكن لتتم لولا موافقة طهران، ويمتلك الأردن بقيادة جلالة الملك من المرونة السياسية ما يكفي لتلافي أية مخاطر إيرانية يمكن ان تترتب على هذا القرار، خاصة وان الأردن لا يناصب إيران العداء، وتدرك إيران ان الأردن لا يطلب الا ما يضمن أمنه وعدم التدخل في شؤونه، وان من حقه في ظل الظروف الاقتصادية البحث عن مصالحه، وخاصة الاقتصادية.
أما المغطس، فمن المحزن بعد صراع مع إسرائيل التي حاولت أن "تسرق" موقع المغطس وتثبيته في الجانب الأردني، وتدشين بابا الفاتيكان رحلة الحج المسيحي الى المغطس، ان تكون أعداد الحجيج المسيحي للمغطس بتلك الأرقام المتواضعة "بضعة آلاف"، في الوقت الذي كان يمكن ان يكون عدد الحجاج المسيحيين يوازي نسبة كبيرة من أعداد المسلمين في الحج الى مكة المكرمة، وهو ما يحتاج لخطة إعلامية بالتواصل مع المراجع الكنسية في الغرب، وفتح مجالات الاستثمار لإقامة بنى تحتية مناسبة في منطقة المغطس "فنادق ثلاث نجوم".
إن الزيادة التي تحققت في أعداد السياح للأردن عام 2018 لم تكن مرتبطة إلا بعاملين الأول: مستوى الأمان القائم في الأردن، وهو ما يمكن البناء عليه في أية حملة إعلامية، ووجود أماكن سياحية" البحر الميت والبتراء والعقبة وجرش وام قيس....الخ"، واليوم بعيدا عن الهواجس الأمنية والسياسية، فان فرصة تاريخية تتوفر للأردن بإعادة النظر في قرار منع زيارة "الشيعة" إلى أضرحة الصحابة في الكرك، رغم بعض العقبات التي يمكن تذليلها، والترويج للحج المسيحي إلى المغطس، وان نتذكر فانه ليس لدى جورجيا ولا قبرص مغطس للسيد المسيح، ولا أضرحة لصحابة الرسول"ص".
عمر الرداد
خبير امن استراتيجي / مدير عام مركز ابن خلدون