غرینبلانت وكوشنر سیحضران للمنطقة لنقاش الأبعاد المالیة والاقتصادیة لخطة السلام أو صفقة القرن الأمیركیة المنتظرة حول إنھاء الصراع وإحلال السلام بین الفلسطینیین والإسرائیلیین. الزیارة بلا شك تھدف أولا لحشد الدعم الرسمي اللازم للجزء الاقتصادي من الصفقة حتى لا تولد أو تعلن الأفكار الأمیركیة میتة فور إعلانھا، كما یتوقع أن یحدث بأجزاء الخطة الأمنیة أو السیاسیة من الصفقة المنتظرة. وثانیا، لا بد أن الزیارة تھدف أیضا إلى تأمین بعض من مصادر التمویل المالي والدعم الاقتصادي الضروریة لإنجاح الخطة ببعدھا الاقتصادي.
مستبعد جدا أن یتم الخوض بالبعد الاقتصادي لمقترحات السلام الأمیركیة من دون التطرق للأبعاد الأخرى، وسیكون ضربا من ضروب المستحیل أن یتمكن المبعوثان الأمیركیان من فصل النقاش الاقتصادي عن السیاسي والأمني، وأن یحصلا على موافقات أو ”شیكات على بیاض“، لأن الالتزام الاقتصادي والمالي مرتبط حكما وبشكل عضوي بباقي المقترحات الأمیركیة للسلام. ومع ذلك، فلا ینبغي أن یتم التعامل بعدمیة مع المقترحات الأمیركیة الاقتصادیة، ویجب أن یتم الاستماع وباھتمام وبعقلیة منفتحة وذھنیة تقییمیة للمقترحات من حیث قدرتھا على تحقیق الأھداف المتمثلة بالنھوض الاقتصادي للفلسطینیین في الضفة وغزة وتخفیف معاناتھم الاقتصادیة والمعیشیة، وأن یتم التقییم على قاعدة كیف أن المقترحات الأمیركیة تقرب الأطراف من إحلال السلام وتھیئ الأجواء لذلك.
نھوض الفلسطینیین الاقتصادي وتحسین أحوالھم المعیشیة أمر استراتیجي مھم لھم ولقضیتھم الوطنیة السیادیة، وذلك یتماھى مع رؤیتھم العملیة لإحقاق مشروعھم الوطني، وسیمكنھم من الاستمرار في بناء مؤسساتھم واقتصادھم حتى لو كان ذلك تحت الاحتلال، وسیوصلھم لمرحلة دولة الأمر الواقع رغم أنف الاحتلال، وسیقربھم ویقویھم على انتزاع كامل استقلالھم وسیادتھم.
إحقاق ھذا الھدف الاستراتیجي یفسر كثیرا من سلوك السلطة الوطنیة والرئیس الفلسطیني، وھي استراتیجیة عاقلة تتبنى نھج البناء للمؤسسات بالرغم من الاحتلال، وتسیر بالفلسطینیین نحو تحقیق مطالبھم الوطنیة. الفلسطینیون الآن وبسبب ھذا المنھج أقرب لإحقاق أھدافھم الوطنیة ودرتھا الاستقلال والدولة كاملة السیادة وعاصمتھا القدس الشریف. سیأتي یوم لیس ببعید لن یستطیع أي رئیس وزراء إسرائیلي تأخیر قیام الدولة الفلسطینیة لأنھا ستكون موضوعیا وعملیاّ قائمة، ولن یستطیع أي رئیس أمیركي أن یسوق أو یدافع عن أي فیتو في مجلس الأمن یقف في
وجھ قیام الدولة الفلسطینیة كما یحدث تكرارا الآن.
الإدارة الأمیركیة الحالیة قریبة جدا لرؤیة اللیكود والیمین الإسرائیلي حول السلام مع الفلسطینیین، والتي تتلخص في أن السلام لا بد أن یتم مع جیل الفلسطینیین القادم ولیس الحالي، لذلك فتأخیر السلام والمراوغة بإحقاقھ نھج یمیني مستمر في إسرائیل. لمواجھة ذلك، لا بد من الاستمرار ببناء مؤسسات الدولة الفلسطینیة، وتقویة الاقتصاد الفلسطیني، والاستفادة من الطاقات الفلسطینیة التعلیمیة والمالیة الكبیرة، والتعامل مع اقتصادیات صفقة القرن ضمن رؤیة إحقاق الدولة وبنائھا وجعل ذلك حقیقة مسلما بھا غیر قابلة للنكوص.
الغد