التزلف بمعنى التقرب كلمة أكثر ما تستخدم مع الكتاب الذين يجاملون الحكومات ويزينون للناس قراراتها الجيدة والرديئة ويختلقون لها المبررات .. ويلحق بهذه الصفة في مجتمعنا مجموعة من المصطلحات مثل (هز الذنب ) (ومسح الجوخ) (وتمشيط اللحية)..وغيرها
هذا النوع من التزلف خلق رد فعل معاكس لدى البعض من غير المتزلفين يقوم على بناء علاقة متينة مع الجمهور ...
تطور الأمر.. فأصبح الحفاظ على هذه العلاقة (وخصوصا مع الفئات الأقل وعيا) يتطلب تضحية من نوع خاص، كما يتطلب تبني خطابين مختلفين لدى البعض، واحد للتعامل مع الرسميين.. وخطاب آخر مختلفا تماما لاستدرار عواطف الجماهير .. وهو ما تمارسه جماعة الإخوان المسلمين في الأردن ..(مثلا فقط.)
وأصبح الخوف من رد فعل الجماهير يؤسس لنوعين من المثقفين والخطباء والإعلاميين والدعاة والسياسيين...الخ
النوع الأول وهو القليل والنادر ذلك الذي يقدم خطابه وقناعاته دون حساب لمصادمة العامة أو الخاصة أو الجهات الرسمية أو غيرها.. وبتقديري فإن هذا النوع يعول على أمرين هامين أولهما (ربما لدى البعض) شعوره بثقة العامة به مما يجعله يكاشف بما يؤمن به دون حساب.. وثانيهما رغبته بصدم العامة من أجل الارتقاء بوعيهم.. وتعويدهم على تكسير المطلقات والخروج من نفق السائد والمكرس الذي قد يكون خاطئا.. ويتحمل في سبيل ذلك الكثير من التهم والتصورات الخاطئة التي تتكون عنه. وأكبر مثال على ذلك النوع هو الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي وأستاذه المرحوم الشيخ محمد الغزالي الذي قال في وصف الخمار (أو غطاء وجه المرأة) إنه نوع من (تديين البداوة) أي تحويل ما هو طباع بدوية إلى حكم شرعي... كما رفض في محاضرة عامة تلقي أسئلة الرجال شفاهة وأسئلة النساء على ورقة.. وطلب أن يكتب الجميع أو يتكلم الجميع (أيضا مثلا فقط) .
النوع الثاني وهو الأغلب هو الذي لا يجرؤ على المغامرة بالجماهير بعد أن اكتسب ثقتها.. وخوفه على مكانته بينهم يجعله يغامر برأيه وفكره وقناعاته ويزورها كي لا يخسر دعم الشارع أو مكانته فيه... وهذا النوع هو الذي هرب من (التزلف) للسلطات إلى نوع أخطر بكثير وهو (التزلف للشارع) ليذكرنا بهروب خميس بن جمعة ..مثلا..(من الدلف إلى المزراب)
وهذا النوع يجعل صاحبه أحيانا ينحدر بخطابه ليرضي ذوق العامة ويبقي صورته أمامهم على أنه نصير المظلومين (في العمل السياسي) والمحافظ على حدود الله (في العمل الدعوي) وهكذا ..
ومن هذا الصنف تجد بعض الكتاب الصحفيين يطرق موضوعا حول تقصير رسمي في أمر ما.. فإذا تمت معالجته من قبل جهة رسمية فإنه لا يجرؤ على تبيان ذلك خوفا من تهمة التزلف للجهة الرسمية.. ولا يجرؤ البعض على تبيان دور الجمهور في تقصير معين خوفا من التهمة نفسها.. بالتالي يكون الحق دائما على الجهات الرسمية في كل شيء..
مؤخرا خرق كاتب صحفي محترم ( الأستاذ جميل النمري) هذه النظرية بمقال اسمه (يريدون الراتب ولا يريدون أن يتعبوا) فتلقى تهما تنسف كل تاريخه في الكتابة عن الناس وأحوالهم وحقوقهم وأصبح من وجهة نظر الكثيرين من قراءه متزلفا من النوع الأول.. أعني متزلفا للحكومات..
حين قرأت المقال وتعليقاته ومقال الرد من قبل الكاتب.. أدركت أن نقد الحكومة أصبح أسهل بكثير جدا من نقد الأفكار الاجتماعية السائدة أو نقد السلوك العام..
وأن ظاهرة (التزلف للشارع) أوسع انتشارا من (التزلف للحكومة) وحمدت الله أنني لم أكن يوما في موقع يؤهلني لممارسة أي من النوعين، أو لتلقي أي من التهمتين.
Amann272@hotmail.com