أغرب مقولة اسمعها من بعضنا وَبِطَرِيقَة تنم عَن جهل، وعدم قُدْرَة عَلَى قِرَاءَة الوَاقِع من يصف الغربيين: هَؤلاء كفار ليسوا أفضل مِنَّا. هَذِهِ العقلية المغروسة فِي عقول بَعْض أبناء جلدننا تنم عَن نظرة غير ذكية للآخرين، وَعَن قلة إنسانية، وعنصرية وطائفية كَبِيرَة – مَع اعترافنا أن من يقولها يَكُون ضحية خطاب تحريضي كريه-
عِنْدَمَا تَتَعامَل مَع الغربيين تتفاجأ أنهم فِي غالب الأحيان يحبون النزاهة قولا وفِعلًا، ويبتعدون عَن غش النَّاس، ويتعاملون بدقة، ويحترمون الآخر، والمواعيد، وكلها أخلاق طيبة لا يُمْكِنُ لأيّ عاقل أن يَقِف أمامها وَيَقُول بعقلية شوفينية: نَحْنُ أفضل مِنْهُم.
فِي زيارتي الأخيرة إلى ألمانيا لاحظت النزاهة فِي التَعَامُل فِي أكثر من مَوْقِف لا يُمْكِنُ أن نَقُول عَنْهُ إنه صدفة، وَفِي العادة فإن الزائر لأيّ دَوْلَة أخْرَى قَدْ يَقَع فِي الخداع، لأنه لا يَعْرِف شيئًا فِي تِلْكَ البلد، وَيَكْفِي أن اسرد قِصَّة وَاحِدَة من عدة قَصَص حصلت مَعَنَا، لنتساءل معًا: لِمَاذَا لَمْ تُؤثر بِنَا تربيتنا الدينية والقومية والوطنية لتجعلنا أكثر نزاهة، وَأنا لا أتحدث هُنا عَن غالبية المجتمع الأردني والعربي – فَهْوَ طيب، ومليء بالشهامة- وَلَكِن هُنَاكَ إشكاليات أخلاقية كَثِيرة نعاني مِنْهَا وَلا بُدَّ أن نضع يدنا عَلَى الجرح، ونشخصه جَيِّدًا، لعلنا نصل إلى حلول لمشكلاتنا.
فِي ذلِكَ اليَوْم الماطر وصلت إلى ميونيخ الألمانية قادِمًا من برلين، وَكانَت الـمَرَّةَ الأولى الَّتِي أدخل فِيهِا هَذِهِ الـمَدِينَة، ووصلت مُتاخرًا، وَكانَت الدُّنيا ممطرة، وتنذر ربَّمَا بتساقط الثلوج، حِيِنَمَا صَعَدت فِي تكسي، وفوجئت بامرأة كَبِيرَة بالسن تقوده، فقامت بمساعدتي، ووضع حقيبتي فِي صُنْدُوُق السَّيَّارَة، وَعِنْدَمَا قدمت لَهَا وَرَقَة حجز الفندق، وَمَكْتُوب عَلَيْهَا العنوان، وَوَضَعَهُ عَلَى جِهَاز GBS، ابتسمت لي، وَقالَت لي إن الفندق قَرِيب لا تزيد مسافته عَن ألف مِتْر، وَيُمْكِنُنِي السَّير إلى هُنَاك، بدلًا من دفع تكلفة النقل الـمُرْتَفِعَة، وتوقعت أنني لَوْ اكتشفت ذلِكَ، وطلبت مِنْهَا أن أنزل أن تصرخ، وَتَقُول لي كَمَا يَحْصل أحيانًا فِي بلادنا: عطلتني.. كانَ هُنَاكَ راكب آخر سيستقل التاكسي فذهب، اتعبتني ونزلت ووضعت حقيبتك فِي السَّيَّارَة!
قَدْ يَقُول قائل هَذِهِ صدفة، لَكِن الحقيقية أنني لمست التَعَامُل الطيب لِلْنَاسِ فِي ألمانيا، وحبهم لِمُساعَدَة الآخَرِينَ، وَيُمْكِنُ القول إن أخلاقهم مطابقة لما يدعو إلَيْهِ الإسلام نَظَرياً، وَلَمْ يَسْتَطِع الكَثِير من المسلمين تطبيقه عَلَى أرض الوَاقِع.
لَمْ تبهرني التكنولوجيا الألمانية وَهِيَ تستحق ذلِكَ، وَلَمْ تسرق عيوني المباني الشاهقة، ولا التنظيم الممتاز، وهُوَ موجود بكثرة، وَلَكِن ما أبهرني فِي ألمانيا الأخلاق العالية الَّتِي يَتَمَتَع بِهَا الشعب الألماني، فَهَلْ من معتبر؟
Mrajaby1971@gmail.com