يومها قررت ولكن ليس كأي يوما آخر ،فقد منحني القدر هذه المرة فرصة لا تقدر بثمن من اجل التنفيذ ،فمنذ سنوات وانا اخطط الذهاب الى ذلك السوق الشهير لاجترع من كأس الاستمتاع الذي وصفوه لي ،انطلقنا انا وعائلتي فرحين بهذه المغامرة المجهولة ،ووصلنا الى السوق في تمام الساعة السابعة ونصف صباحا،ولكن لم نجد مكانا لنا في ذلك المكان الا ان اصرارنا باكتشاف الزحام دفعنا من اجل اختراقه بقوة دون ادنى خوف او كسل .
تعالت الصرخات لحظة بعد لحظة ،حتى اصبح قلبي يدق وحجراته تتراقص من شدة الصخب المحيط بي ،الزحام الذي لم آراه من قبل ،اشعرني باني تائهة في فقاعة جدرانها وجوه الناس ،وجوه ليست كأي وجوه بل الباحثة عن تلك الضالة المفقودة ،احاطني الخوف للوهلة الاولى الا ان عنقي تعبت من كثرة الالتفات للناس ،وليس الى محتوى ذلك المكان الجميل الذي لا يخلو من العراك .
ظنت نفسي في بادئ الامر انني اخطأت المكان ،ولكن بعد سعادة توغلت في نفسي وضحكات تسربت الى قلبي ،اكدت لي نفسي التائهة انني في الموقع الذي ابحث عنه منذ زمان كان ،هذا المكان وجدت به فكرة غريبة تم تطبيقها دون التشريع لها ،فوجدت الامتزاج الحاصل بين الطبقات المختلفة ،وبالرغم من ان هذا السوق لا يجتذب الا الفقراء حسب المعتقدات السائدة ،الا انني عندما دققت في النظر في وجوه الناس ونوعية السيارات التي تقودهم الى هذا المكان قبل صياح الديك ايقنت ان هذا السوق حقق فكرة في غاية السمو بالرغم من بساطة اهدافه ،الا انه عمل على مزج الناس ببعضهم البعض دون ادنى مانع ولكن مع اختلاف الاهداف طبعا ، فهنالك من آتى لاكتشاف المكان وهنالك من يبحث فعليا عن قطعة ما تقيه حر الصيف الاذع .
بعد مضي اكثر من نصف ساعة وانا اتجول بين الناس واخزن في ذاكرتي تحركاتهم وملامحهم التي تتغير بين ثانية واخرى ،سعدت تماما في رؤية النساء ، فتارة ترى النساء اللواتي يتناوشن على قطعة ما وجدوها بعد الانهماك في تفتيش جبل الملابس ،وتارة اخرى ترى النساء يتحاورن مع الباعة بصوت عال حتى يصلوا الى السعر المبتغى ،واجمل ما في الامر تلك الاكياس السوداء ،فترى الرجل محمل بعشرة اكياس من الحجم العائلي والمرأة تسير خلفه تتحدث مع اختها التي جرتها عنوة عنها للتعرف الى المكان وتشرح لها ماذا وجدت ؟وبأي سعر اشترت ؟ وتمارس عليها طقوس المباهاة وانها لا يهمها ان كانت هذه الملابس مستخدمة ام لا ،فما يهمها ان تشتري اكبر قدر ممكن من الملابس حتى تشعر بان لا شئ ينقصها .
وخلال تجولي بين الناس ،شاء القدر كعادته ان يجمعني بشخصيات اعرفها ،تلك الشخصيات المخملية فحفزتني نفسي ان اقتص من هذه الشخصيات وان اباغتهم في وجودي هنالك ،وعندما تواجهنا وجها لوجه اصبحت الوجوه تتغير ،وبدون اي مبرر اصبحت استمع لحجج وجودهم هنالك ،اكثر ما اضحكني ان هذه الشخصيات العاجية كانت تحاول في اثناء حديثها معي اخفاء الاكياس السوداء ولكن خشخشة الاكياس فضح امرها .
في هذا السوق اجتمع الناس واتفقت ميولهم ،الا انهم اختلفوا كالعادة فيما بينهم حول قطعة ما او دينار مستهلك هنا اوهناك ،في سوق الجمعة الذي جمع الناس من مختلف الطبقات وعمل على قتل وباء التناقض بينهم ،في هذا السوق لا غيره اختلط ابناء البطة البيضاء والسوداء ........ فليت الحياة كسوق الجمعة