هَلْ منَ الحكمةِ أن تَحصُلَ مجالس الوزراء على الولايةِ العامة؟
د. عادل يعقوب الشمايله
10-02-2019 09:40 AM
لم يتوقفْ بعضُ المشعوذينَ في الامور السياسية، ومن تَبِعَهم بِجهلٍ وغَفلةٍ، طيلةَ السنواتِ الثلاثينَ الماضية، عن المُطالبةِ بأن يَتمتعَ مجلسُ الوزراء بالولاية العامة. هذهِ المُطالبةُ تَنمُ عن أُميةٍ سياسيةٍ وأُميةٍ إجتماعيةٍ وأُميةٍ إدارية. المُشكلةُ أن البعضَ يُجَشمُ نَفسهُ عَناءَ حَملِ شعاراتٍ لا يفقهُ مدلولاتها ولا مآلاتها، ثُم تُصبِحُ عندهُ دِيناً، ثُم يتحمسُ أكثرَ، فَيبدأَ بِمُثابرةٍ، بالتبشيرِ بذلكَ الدينِ الأجوف. طبعاً، هناكَ مِنْ بَينِ الجماهيرِ من يَتلقفُ تلكَ الشعاراتِ دونَ تدبُرٍ، فقط، تأثراً بشخصية المُتنبي، أو من بابِ خالف تُعرف، أو عدو عدوي صديقي.
الولايةُ العامةُ لمجلسِ الوزراء لا يمكنُ أن تَتحققَ الا في حالةِ النظامِ الدستوري. مَلَكيةٌ دُستوريةٌ او جُمهوريةٌ دستورية، كما هو الحالُ في الهند واسرائيل وبريطانيا وكندا واسبانيا.. الخ. لأن النظامَ الدستوري لا يختصُ بالنظامِ الملكي فقط كما يتوهمُ كثيرون. ونظراً لأن النظامُ الدستوري يٌقيدُ سُلطاتِ ومسؤولياتِ رئيسِ الدولةِ لِيُصبحَ رمزاً للدولةِ وَحَكَماً، سواءاً كانَ ملكا أو رئيسا، فإنهُ لا بُدَ، أن تؤولَ السُلطةُ لِجهةٍ أُخرى، وعادةً ما تكونُ مجلس الوزراء.
وحتى يكونَ إعطاءُ الولايةِ العامةِ لمجلسِ الوزراءِ مُجدياً، فَإنه يجبُ أن يكونَ مُنتخباً، إنتخابا نَزيهاً من شَعبٍ وليسَ من عشائر. مِنْ شعبٍ يُقدمُ المصلحةَ العامةَ، ومصلحةَ الوطنِ على مَصلحتهِ الشخصيةِ، مِن أجلِ تَحققِ مَصلحتهِ الشخصيةِ في النهاية. مجلسُ وزراء مُنتخب مِن أفرادٍ لا يبيعونَ أصواتهم، لمن كانوا يتهمونهم قُبيلَ الانتخابات بكافةِ أنواعِ الفسادِ، ثُمَ بعدَ الانتخاباتِ بأشهرٍ يخرجونَ الى الشوارعِ في الحراكاتِ يُطالبون بإقصائهم.
أما ما يطرحهُ البعضُ كمخرجٍ من حالة الفساد والترهل السائدة في الاردن، بإن يُشكلَ مَجلسُ الوزراءِ، من بين أعضاء مجلس النواب، الذين فاز بعضهم بالمال السياسي، والبعضُ الاخر، بالولاءِ القبلي، رغمَ وجود مرشحين يتفوقون عليهم وطنية وكفاءة، أو تمَ إيصالهم الى المجلسِ بالتعيينِ، ليكونوا أدواتٍ للسلطة التنفيذية، ومطباتٍ توقفُ عَجلاتِ أي تشريعٍ يَصبُ في مصلحةِ المواطنين، هذا المقترحُ، ما هو الا تكرارٌ لتجربةِ الجمعِ بينَ النيابةِ والوزراة التي حدثت عام 1989. لقد كانت تلكَ التجربةُ، اللبنةَ الاولى في صرحِ الفساد الذي وصل الى ما وصل اليه الان. وفي السياق نفسه، من المؤكد، أنَّ الولايةَ العامة، لا يجوزُ أن تُعطى لمجلسِ وزراءَ مُعين، وخاصةً بِأسلوب التعيينِ المُطبقِ، والتي يكتنفها قدرٌ كبيرٌ منَ الغُموضِ والعشوائيةِ والوراثةِ العموديةِ والأُفقية. هَذهِ الوراثةُ التي يُفسرُ البعضُ، سِرَ الاصرار عليها، على أنها مُحاصَصةٌ مَنصوصٌ عليها مِن قِبلِ الانجليز عِندَ إنشاء الامارةِ، وبالتالي فهي تعبيرٌ عن حقٍ لبعضِ العائلاتِ في نظامِ الحُكمِ، وليس كَرَماً.
الولايةُ العامةُ لِمجلسِ الوزراءِ في الاردن، يَجُبُها الدستورُ أولاً، لإن النظامَ السياسي في الاردنِ برلمانيٌ ملكي. وهذا ما يجعلُ الملك،َ هو رئيس الوزراء الفعلي، كَونهُ رئيسَ السلطةِ التنفيذيةِ. ما يُؤكدُ ذلك، النصُ الدستوري: "الملكُ يَحكُمُ بواسطةِ وزرائه". مَنْ يَحكُم؟ واضحٌ من النص: إنه الملك. أمَّا آليةُ الحُكمِ فهذا شأنٌ آخر. الوزراءُ مُجرد وكلاءَ أو أعوانَ للملكِ إن لم نَقُلْ أدوات. وأهمُ دورٍ لهم هو تَجنيبُ الملكِ، المُساءلةَ المُباشرةَ أمام النواب. هذا الوضعُ مَوجودٌ في دستور 1952 ولا زال. ولذلكَ، فإنَّ التباكي من التعديلاتِ المتتاليةِ التي أنقَصتِ المَنقوصَ أصلاً، لا يعدو أنْ يكونَ خِطاباً غوغائياً لإستدراجِ المُصفقين والهتافين. في ضوءِ هذا الواقع القانوني، فقد جرت الامورعلى أن يتولى الملكُ مباشرةً، القضايا الأهمَ، المُتعلقةِ بالشؤون الخارجية، والاشرافِ على الجيشِ والاجهزةِ الامنية، وأنْ يتركَ تَصريف الاعمالِ اليومية والخَدميةِ التي تَتطلبُ التعاملَ المُبَاشرَ مَعَ أبناءِ العشائرِ من شتى المنابتِ والاصول، لمجلسِ الوزراءِ، دونَ أن تَغفلَ عَينا المَلكِ، عن أفعال وقراراتِ مجلس الوزراء. فألهامُ منها، يتوجبُ حسبَ الدستورِ،أخذُ موافقتهِ عليها. أما باقي قراراتِ المجلسِ فيتمُ تَتَبعُ تأثيرها الاقتصادي والاجتماعي والاداري، عبرَ تقاريرِ الاجهزة الأمنيةِ ووسائلِ الاعلام.
الولايةُ العامةُ من الخطورةِ بحيثُ أنها لا يَجوزُ أن تُعطى لوزارةٍ تَتشكلُ من التكنوقراط، خاصةً عند التعسفِ في استخدامِ كلمةِ تكنوقراط، وكذلك عندما تَتَشكلُ من كبارِ الموظفين، واحياناً كَثيرةً من صغارِ الموظفين، ومنَ التُجارِ أو أبنائهم، ومن المقاولين والعسكريين المتقاعدين. الولايةُ العامةُ تُعطى دستوريا لمجلسِ وزراءَ يَتشكلُ مِن سياسيين. للاسف، العامةُ لا يعرفونَ مدلولَ كلمةِ سياسي. السياسيُ ليسَ مَن يَحملْ شهادةً جامعيةً في العلوم السياسية. كما أنَّ المنصبَ الوزاري لا يصنعُ سياسيين. السياسةُ تَرتبطُ بالاحزاب السياسيةِ ذات البرامج التي تُغطي الشؤونَ الداخلية والخارجية، وليسَ الاحزاب العقائديةَ سواءاً كانت دينيةً أو قوميةً أو شُيوعية. لأن الاحزابَ العقائديةَ، تُحَولُ الذين تُجندهم، وغالبيتهم من البُسطاء والفقراء، أو من مهوسي السُلطةِ، الى مُتعصبينَ تعصبا أعمى، وتُنتجُ أنظمةَ حُكمٍ ديكتاتوريةٍ فاشيةٍ، فاشلةٍ في إدارةِ الدولة. إذاً، عندما تكونُ هُناكَ أحزابٌ سياسيةٌ برامجية حقيقيةٌ، تستندُ برامجها الى نظرياتٍ وفلسفاتٍ اقتصادية وسياسية، ويكونُ هُناكَ تداولٌ حقيقي ومضمونٌ للسلطةِ، بموجبِ إنتخابات حُرةٍ نَزيهةٍ شفافة، ينجحُ فيها حزبٌ بناءاً على برنامجهِ ، وثقةِ الناسِ بالمرشحين الذين قَدمَهم للناخبين، ويكونُ المرشحون، ممن مارس العمل الحزبي لعدةِ سنواتٍ، تَتَلمذَ فيها على العمل السياسي الداخلي والخارجي، وعلى وضعِ السياسات العامة، ومُناقشتها وتقييمها ومُتابعةِ الدراسات والابحاث المُقَيمَةِ للسياساتِ العامة، التي تُصدرُها، الجامعاتُ ومؤسساتُ الدراسات. عندها تستحق الحكومةُ الفائزةُ الولايةَ العامة.
إنَّ من يقرأ تاريخَ الوزارات في الاردن وإنجازاتها، لا بُدَ أن يتوصلَ، الى أن مُعظمَ من تولوا رئاسة الحكومة، موظفونَ كبار، يفتقرونَ الى التدريب السياسي، وشهادةِ محوِ الامُية، في المجالاتِ الامنيةِ والعسكرية. إضافةً الى رسوخِ عقيدتهم العشائرية والجهوية. السؤالُ: هل يجوزُ أن يَحصُلَ هؤلاءِ على الولاية العامة؟ بمعنى أن يكونَ رئيسُ الوزراء وزيرا حقيقيا للدفاعِ، يُشرفُ مُباشرة على إدارةِ الجيش ووضع استراتيجياته وتسليحه وعقيدته العسكرية، وأن تتبعهُ كذلك الاجهزةُ الأمنيةُ من مخابرات وأمن عام؟ أيُّ كارثةٍ كانت سَتحِلُ بالاردن؟ أنا لا أستبعدُ أن يقومَ مَجلسُ وزراء من هذا الطراز باستخدامِ الجيش لقصفِ وتصفيةِ مواطني مُحافظة أخرى، أذا شعر أن أحد أبنائها على وشك أن يَحلَ مكانه. تماما كما فعلَ فرعونُ بقتلِ الطفل الذكر البكر لكافة الاسر اليهودية إثر نبوءة مُنجميه. إن مُعظمَ من شاركَ في مجالس الوزراء في الاردن مُتهمون بالتحيزِ لعشائرهم ومحافظاتهم. أما من كان يفتقر الى عشيرة، فقد اتهموا بإصطناعِ عشائر حولهم ممن هب ودب، من اصحاب المصالح والنفعيين والمنافقين. فهل من الحكمةِ أن تُعززَ سُلطاتُ مَجالسَ وزراءَ، لا تؤمنُ بوجودِ شعبٍ يتساوى أفرادهُ في الحقوقِ والواجبات، بأن تُعطى الولايةَ العامة؟ هل يُستبعدُ ان يقومَ مجلسُ وزراء بهذه المواصفات ، بخصخصة المحافظات الاخرى وبيعها لمجهولين، كما قاموا بخصخصة موارد الدولة وشركاتها ومؤسساتها وتسريبِ أثمانها، وتحميلِ السُكان، ما لا تحمله الجبال من الديونِ والضرائب؟ لذلك يبقى الضمانُ للاستقرار، أن تستقرَ الولايةُ العامةُ في الملك. فالملكُ يُمثلُ محكمة الاستئناف للاردنيين في مواجهة مجالس وزراء سَبقَ أن بينتُ مواصفاتها. الا اذا تم التوافقُ على الانتقال الى الملكية الدستورية، بناءا على حوار مباشر ومستنير، بين الملك والشعب، بعد ان تتمَ ولادةُ الشعب الاردني.
كَتبتُ في مقالاتٍ سابقةٍ، أنهُ لحدِ الان، لمْ يَتشكلْ في الاردن، ما يُمكنُ أن يُطلقَ عَليه كلمةُ شعبِ بالمعنى السياسي والاجتماعي. من يتدبرِ الواقعَ بوعيٍ وحياديةٍ وعقلانية، يكتشفُ أن العشائرَ قدْ تَبعثرتْ بالصدفة أو بالضرورة، على مدى مئاتِ السنينِ الماضية، على مَساحةِ الارض، ما بين الرمثا شمالا والعقبة جنوبا. هذه العشائرُ لا زالت تُمثلُ خلايا مُغلقةً، مُتناثرةً كالجُزرِ في المحيط، تأبى بإصرارٍ، ويُأبى عليها، أن تَندَمجَ في جسد واحدٍ، إسمهُ الشعب. أفرادُ هذه العشائر لا يتنافسون على بناءِ وطنٍ، وعلى العطاءِ للوطن. بلْ، يتصارعون بموجبِ إرثهمُ الحضاري الصحرواي، مُستخدمينَ أُسلوبَ الغزو، للظفرِ بالمكاسب. تصوروا أنَّ رئيس الجامعة الاردنية السابق قام بتعيين 14 عميد من أصل 18 عميد في الجامعة، من إقليمه، وأَتبعَ ذلكَ بغنيمةِ تعييناتِ رؤساءِ الاقسامِ الاكاديميةِ ونوابِ العميد، ناهيكَ عن التوظيفات الادارية. ما الذي تتوقعون أن يفعَلهُ، لو بقي وزيرا للتعيلم العالي ووزيرا للتربية والتعليم، وماذا تتوقعون أن يفعلَ اذا أصبحَ رئيسا للوزراء مُتلحفاً بالولايةِ العامة.
في الختام، أتوجهُ الى أبناءِ العشائر الاردنية أن يقفوا وقفة صِدقٍ مع أنفسهم، وأن يتبينوا الخيط الاسود من الخيط الابيض من الفجر، ليتوصلوا الى التفرقةِ، ما بين تجمع العشائر الاردنية الحالي، والدولةَ الاردنيةَ الحُلم. لإنَّ أحدَ مُقوماتِ الدولةَ، وجودُ شعبٍ، وليسَ مُجردَ وجودِ سكان. فالافرادُ المتنافرون، الذين يدعي كُلٌ منهم ويتفاخرُ، أنهُ ينتمي الى مَاضٍ جُغرافي، خارجَ الحَرمِ الاردني، وخارجَ الروزنامة التي تُؤرخُ للأردن إبتداءاً من عام 1921، لا يشكلونَ شعبا. عليهم معرفةُ الفرقِ ما بين مجلس وزراء ومجلس نواب من جهة، ومجالس ممثلي القبائل من جهة اخرى. ما بين مشروعِ دولةٍ مدنيةٍ مُتحضرةٍ تتطلعُ نحو المستقبلِ وتُعدُ العُدة له، وما بينَ دولةٍ قبليةٍ فاشلةٍ مُترهلة، تعيشُ في متاهاتِ الماضي في كلِ شأن، وتَصرُ على تثبيتِ أوتادِ الخيمة، ولا تملكُ حصاناً واحداً ليجُرَ عَربةَ المُستقبل. لا بد من التوقفِ عن قتلِ الخيول. ولا بد من خلعِ الاوتاد. لا بد من تَشَكُلِ شعبٍ تذوبُ فيه كافةُ العشائرِ والطوائفِ والمذاهبِ والافراد والاصول والمنابت. قد خَيرتُكم فاختاروا، ما بينَ الجنةِ والنار.ِ