الأردن غير متوتر لكنه متوجس!
ماهر ابو طير
10-02-2019 12:50 AM
تتحدث واشنطن عن فلسطين وكأنها ملك يمينها، ومنذ ان وصل الرئيس الأميركي الى البيت الأبيض، وواشنطن تخرج علينا كل أسبوعين بتحديث جديد حول صفقة القرن.
آخر التحديثات يتعلق بمؤتمر بولندا الذي ستشارك به عشرات الدول، وسيكون موجها ضد إيران، لكن الأميركان سوف يوظفونه للإعلان عن تفاصيل أولية عن صفقة القرن، ومحاولة عقد لقاء بين الفلسطينيين والإسرائيليين، او على الأقل عقد لقاءات أميركية فلسطينية، او أميركية إسرائيلية، وهو مؤتمر رفض الفلسطينيون حضوره لأنهم يعرفون ما فيه مسبقا.
غاريد كوشنر المستشار البارز للبيت الابيض سيقوم أيضا خلال الفترة المقبلة بجولة عربية تشمل عدة دول للحديث عن الكلفة الاقتصادية لصفقة القرن، وبمعنى ادق يبحث عن تمويل لهذا المشروع، وهو يتحرك بمعزل عن الفلسطينيين أصحاب الملف الأساس، وعن الأردنيين الذين يعدون الطرف الأهم عربيا، وهو وادارته كمن يحدثون أنفسهم فقط.
هذا يثبت جهلا شديدا، لأن كوشنر وادارته لا يدركان انه من المستحيل فرض حل على الفلسطينيين والأردنيين مهما بلغ ضعفهما، لاعتبارات كثيرة.
في كلام لمسؤول أردني على رفعة في المستوى وفي جلسة مغلقة، قال مؤخرا ان صفقة القرن تتسارع لكنها عبارة عن حل اقتصادي، وبحيث تحولت الخطة الى خطة اقتصادية في غالبها، مع قليل من السياسة بشأن وضع السلطة الوطنية الفلسطينية وبقية الملفات، وان هذا الحل يتجنب كل القضايا الأهم، وان ذات الحل لن يكون مقبولا من الأوروبيين، ولا من الفلسطينيين، ولا من الإسرائيليين أيضا، فلماذا نتوتر منه في الأردن اذا كانت كل هذه الأطراف ترفض الوصفة الأميركية، وسوف تقف ضدها، نيابة عنا، منذ اللحظة الأولى؟!
معنى الكلام ان الأردن، غير متوتر، لكنه متوجس أيضا من المفاجآت، وهو يعرف على الأقل الخطوط العامة لهذا الحل وانه سيكون اقتصاديا، بمعنى تمويل عمليات انعاش الاقتصاد في الداخل الفلسطيني والمنطقة على أساس مبدأ جديد، أي الانتعاش الاقتصادي، دون حقوق سياسية، اقلها قيام دولة فلسطينية، او تطبيق اتفاقية أوسلو، لكنه يدرك استحالة الحل الأميركي.
الأردن يعرف ان حلا كهذا كارثي سياسيا على الفلسطينيين وعلى الأردن وبقية الأطراف، وسوف يلغي قضية القدس واللاجئين، وبقية القضايا، لكن مراهنات الأردن العميقة هي على وجود خصوم اقوى منه سيقفون في وجه الحل، وتحديدا الأوروبيين.
في كل الحالات، تبدو واشنطن امام خطة من مسربين، الأول استبدال أولوية الشرق الأوسط من فلسطين الى إيران، بحيث تريد شطب القضية الفلسطينية مقابل تولي الملف الإيراني وانهاء خطر إيران، واغراء العرب لطي الملف الفلسطيني مقابل انهائها للملف الإيراني، وكأن الخريطة بنظر واشنطن لا تحتمل وجود فلسطين وايران معا، فإما فلسطين وإما ايران، وقد تكشف الأيام انها تريد شطب الطرفين عن خريطة المنطقة.
الثاني، يقوم على أساس تقديم وصفة مالية كبرى بديلا عن الحل السياسي، وبهذا المعنى يكون الحل السياسي مشوها ومنقوصا، مقابل رخاء اقتصادي.
لكن علينا ان نسأل السؤال الأهم، عن الذي يدفع واشنطن للتحرك بكل هذه الثقة، ولا تتوقف برغم ان كل البيانات الرسمية العربية تندد بصفقة القرن، وقد كان الأولى ان تتراجع امام هذا الرفض المعلن بدلا من التسبب لدبلوماسيتها بنكسة علنية امام العالم؟!
الإجابة على هذا السؤال، تتكون من احتمالين، أولهما اما ان غالبية عربية تتوافق مع واشنطن سرا، وترفض علنا، وأن هناك تسوية تتورط فيها أطراف عديدة برغم النفي العلني. واما ان واشنطن تشتري الوقت، وستحاول فقط جدولة كل القصة وتأجيلها بين وقت وآخر، حتى تخفف من كلفة فشلها.
الأيام وحدها سوف تكشف الحقيقة الغائبة.
الغد