التواجد الأمريكي في العراق والعلاقات مع إيران، جدل لن ينتهي قريبا
سهاد طالباني
09-02-2019 11:27 PM
في كل يوم تزداد وتيرة الجدل بين القوى السياسية العراقية والاعلام وحتى على المستوى الشعبي حول التواجد الأمريكي في العراق وعلاقة هذا التواجد بإيران وانعكاساته على العلاقات التي تجمع بغداد بكل مكوناتها السياسية بطهران، وفي هذا الصدد وثق المرصد الأمني والإنساني التابع لمنظمة (Epic) سلسلة التطورات الأخيرة في هذا الجدل المتصاعد ليعطي صورة (حتى لو كانت سردية فقط) عن هذا الجدل الداخلي الذي يتفاعل مع تصريحات وقرارات واشنطن وطهران.
ولفت المرصد الانتباه الى اتفاق بين التحالفين الأكبر في البرلمان العراقي، وهما تحالف سائرون الذي يقوده الزعيم الديني مقتدى الصدر وتحالف الفتح الذي يقوده السياسي الشيعي البارز هادي العامري، على فكرة انهاء الاتفاقية الأمنية الموقعة بين العراق والولايات المتحدة، حيث بدأ تحالف سائرون في جمع تواقيع النواب لتحويل هذه الفكرة الى واقع، ويرى التحالفان ويتفق معهما قوى أخرى أن الوجود الأمريكي في العراق لم يعد ضروريا بعد هزيمة تنظيم داعش الإرهابي.
في الثالث من هذا الشهر، ذكر رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب في مقابلة مع شبكة سي بي أس أنه يخطط لإبقاء القوات الأمريكية في العراق بحيث تكون قادرة على الرد بشكل سريع على أية احداث في المنطقة وكذلك لمراقبة إيران، هذا التصريح قابله رد فعل رافض من قبل عدد من القيادين والسياسيين العراقيين وعلى رأسهم رئيس الجمهورية السيد برهم صالح الذي أكد رفض العراق ان يكون طرفاً في أي محور او أي صراع بين الدول، كما رفض رئيس الوزراء السابق السيد حيدر العبادي تصريحات ترامب و طلب من الولايات المتحدة إعادة النظر في هذه التعليقات المثيرة للجدل ، والتي وصفها بأنها تصريحات تؤدي الى "زعزعة للاستقرار".
على الطرف الاخر فأن هناك قوى سياسية تدعم بقاء القوات الأمريكية في العراق، جاء ذلك في تقرير نشرته جريدة "العرب" الأسبوعية، وتزامن هذا التقرير مع تصريح لأحد أعضاء مجلس محافظة الانبار أكد فيه أهمية وجود القوات الأمريكية للاستمرار في محاربة "داعش". وعلى النقيض من هذه التصريحات فقد أظهرت قيادات بعض القوى العسكرية المتحالفة مع إيران موقفا متشددا تجاه التواجد الأمريكي وكذلك تجاه الحصار المفروض على إيران، حيث حذر أحد قادة كتائب حزب الله العراقية الولايات المتحدة بانها ستواجه عمليات مضادة لها في حال قررت القيام بأي عمل ضد إيران او سوريا، كما انتقد السيد عمار الحكيم رئيس تيار الحكمة تصريحات الرئيس ترامب وذلك اثناء اللقاء الذي جمعه بالسيد حسين أمير المساعد الخاص لرئيس البرلمان الإيراني، وكذلك علق رئيس الوزراء العراقي السيد عادل عبد المهدي على التصريحات الأمريكية خلال مؤتمر صحفي قائلا "ان العراق بلد يمتلك صداقات مع الجميع" وهو ما يمكن تفسيره بأنه رفض دبلوماسي لتصريحات الرئيس ترامب.
ومع ذلك وفي اليوم نفسه الذي عقد فيه السيد عبد المهدي مؤتمره الصحفي، تحدث قائد القيادة المركزية الأمريكية، جوزيف فوتل، أمام الكونغرس الأمريكي قائلا بأن مهمة القوات الأمريكية في العراق فيما يتعلق بالقضاء على "داعش" لم تتغير، وأكد كذلك على تصريحات الرئيس ترامب فيما يخص بمراقبة إيران انطلاقا من الأراضي العراقية، وقال فوتل ان "حكومة العراق تتفهم موقفنا وقلقنا من إيران".
في اليوم التالي أعلن عضو البرلمان العراقي ساركوت شمس الدين أنه سيتم عقد اجتماع بين البرلمان والحكومة وكبار المسؤولين لمناقشة وجود القوات الأمريكية في العراق والتصريحات الأخيرة للمسؤولين الأمريكيين بشأن استخدام الأراضي العراقية لمراقبة إيران، وتحدث مسؤولون عراقيون حول وجود بند، في اتفاقية الإطار الاستراتيجي الذي تم توقيعها بين الولايات المتحدة والحكومة العراقية عام 2008، يحظر استخدام الأراضي والأجواء والمياه العراقية لمهاجمة أي بلد آخر.
وأكد رئيس الوزراء العراقي السيد عادل عبد المهدي اثناء لقاء جمعه بمحافظ البنك المركزي الإيراني أن العراق لن يشارك في العقوبات ضد إيران لأن العراق "عانى من الحصار ويدرك الضرر الذي يلحق الناس نتيجة الحصار"، تبع هذا القاء لقاء اخر بين محافظ البنك المركزي الإيراني ومحافظ البنك المركزي العراقي السيد علي العلاق حيث اتفق الطرفان على السماح للبنوك الإيرانية بفتح حسابات بالعملة العراقية في البنوك العراقية وهو ما سيسمح للمصدرين الإيرانيين بممارسة الأعمال التجارية من خلال البنوك العراقية، وهو الأمر الذي سيساعد في تسهيل التجارة بين البلدين.
وساهم المرجع الديني اية الله السيستاني في الجدل الدائر عندما تحدث عن رفضه ان يكون العراق موقعا لإعادة تموضع أي قوات تهدف الى الحاق الضرر بدول أخرى، وأكد أن العراق يريد إقامة علاقات جيدة مع الدول الأخرى المسالمة دون تدخل غير مرغوب فيه من قبل هذه الدول في الشأن العراقي.
على الأرض يرى مراقبون أن القوات الامريكية قد بدأب بالفعل بإعادة تمركزها في العراق تحقيقا للغايات التي اعلن عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ويتحدث المواطنين العراقيون عن ظهور اكثر وضوحا للقوات الامريكية في عدد من المناطق، الا ان هذا الظهور وفقا لما يرويه الناس هو ظهور هادئ لا يحمل طابعا هجوميا، ومع ذلك فقد اطلق بعض الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي العنان لمخيلاتهم متوقعين حدثا كبيرا قد يغير من الخريطة السياسية العراقية، ومع ذلك يظل هذا الحدث بلا سند واقعي أو أي مؤشرات دالة، ولكنه بالتأكيد يدخل ضمن دوامة الجدل الدائر حول التواجد الأمريكي في العراق والعلاقات مع ايران، ولا يبدو ان هذا الجدل في طرقه الى النهاية قريبا.