يا دولة الرزاز: صرخة نشمية اردنية
أحمد عبد الباسط الرجوب
09-02-2019 11:43 AM
التهميش والتمييز يضاعفان محنة ذوي الاحتياجات الخاصة والحاقهم بالتعليم بالمدارس مسؤولية مجتمعية بامتياز
لقد هزني واثار في صدري مشاعر الالم والياس وانا استمع لفيدو التسجيل الذي بثته سيدة اردنية (نشمية) ومرارة الالم وغصة الكلام التي بدت عليها بسبب معاناتها لعدم قبول طفلها (فلذة كبدها) من ذوي الاحتياجات الخاصة للسبب الذي ذكرته للدراسة في مدارسنا على امتداد رقعة الوطن ، وهنا قد لا تلام هذه السيدة الفاضلة على نبرة الصوت والمفردات التي ظهرت في ثنابا هذا الفيديو واعتقد انها قد اوصلت رسالتها لمن يهمه الامر ...
تؤثر المواقف السلبية أو الخاطئة على نفسية هؤلاء الاطفال، كما يؤثر كيفية معاملتنا لهم وتسبب الكثير من المعاناة غير الضرورية، إننا نستطيع أن نساعدهم من خلال منع التمييز ضدهم سواء فى المدارس، أو داخل الأسرة، أو بين المجتمع الخارجى النادى أو الشارع، التأكد من أنهم غير معزولين أو مهملين، تعزيز تقديرهم لنفسهم و تثمين قدراتهم المختلفة، مع توفير الفرص لهم للتعبير عن أنفسهم...
تختلف الناس فى نظرتهم لهؤلاء الناس ، فنجد بعضهم يشعر بالخوف، والاشمئزاز والرغبة فى الابتعاد عن هؤلاء الاشخاص وعدم التعامل معه، كما أن هذا يؤدى إلى شعور أهاليهم بالحرج والانزعاج من طفلهم وقد يرفضون الظهور به أو الخروج معه وإظهاره للمجتمع الخارجى خوفا من سخر منه الناس أو يضحكون عليه على الرغم بأن هذه الفئة من الأطفال لهم نفس احتياجات الأطفال الآخرين حيث إنهم يحتاجون إلى الحب والتقبل وفرص للتعبير عن أنفسهم، وأنهم يتفهمون الآخرون ويقبلوهم، كما يحتاجون أيضاً إلى التعليم وتحمل المسئولية ..
وهنا ومن خلال اطلاعنا على تجارب العديد من الدول في رعايتهم من هؤلاء الاطفال مما يقتضي الامرعلى ضرورة الحاقهم وصهرهم أي (دمجهم) بمدارس التعليم العام، حيث أن الحاقهم سيؤدي إلى تحقيق المساواة والمشاركة وإتاحة الفرص لذوي الاحتياجات الخاصة أسوة بأقرانهم في المجتمع، وإزالة أي مظهر من مظاهر التمييز تجاههم والابتعاد عن أشكال الخدمات المنعزلة تحت دعوى خصوصية حالة أولئك الأفراد... إن المقصود بأسلوب (الدمج) هو تقديم مختلف أنواع الخدمات والرعاية اليهم في بيئة الأشخاص العاديين، وهي نفس الخدمات التربوية والتعليمية المقدمة لهؤلاء الأشخاص، وبمعنى آخر فإن الدمج هو عدم عزلهم عن أقرانهم العاديين...
إن فلسفة الحاق وصهر هذه الفئة من المجتمع تتمثل في الأهداف المتوقع تحقيقها نتيجة لتطبيقه بأشكاله المختلفة، ومنها: إزالة الوصمة المرتبطة ببعض فئات التربية الخاصة، لتخفيف الآثار السلبية الاجتماعية لتلك الفئات وأسرهم، وخلق الفرص الكافية لهم لنمذجة أشكال السلوك الصادر عن أقرانهم العاديين وتعديل الاتجاهات نحو فئات هؤلاء الأطفال ، من خلال برامج الدمج التي تعمل على تغيير وتعديل اتجاهات الأسر والعاملين في المدرسة والأقران من السلبية إلى الإيجابية، خاصة تلك الاتجاهات المتعلقة بالرفض أو عدم التعاون، وتوفير خبرات التفاعل الاجتماعي لهم وأقرانهم العاديين، مما يؤدي إلى زيادة فرص التقبل الاجتماعي لهم من قبل العاديين، وتوفير الفرص التربوية المناسبة للتعلم، بين الطلبة (الأسوياء) وأصحاب الاحتياجات الخاصة، المتمثلة في أساليب التدريس المختلفة، وأساليب التقويم لينمو نمواً أكاديمياً واجتماعياً ونفسياً سليماً، وتوفير الفرص التربوية لأكبر عدد ممكن منهم وتوفير التكلفة الاقتصادية اللازمة لفتح مراكز أو مؤسسات التربية الخاصة التي تتضمن البناء المدرسي، إضافة إلى الهيئتين التعليمية والإدارية، وتحقيق الذات عند هؤلاء الأطفال وزيادة دافعيتهم نحو التعليم، ونحو تكوين علاقات اجتماعية سليمة مع الغير.
ولما تقدم يا دولة الرئيس ... اعتقد جازما بأنك قد استمعت الى مناشدة تلك النشمية وكم كان الالم يعتصر قلبها – والله لا اعرف مشربها – اقول يعتصر قلبها من حرقتها على حال ابنها وقد اكتوى بنارين اولهما قدر الله في محنتة والثانية ظلم صاحبة الولاية العامة حكومتنا بعدم استقبال هذا الطفل والذي قد يعتلي بقدرة الله ذات يوم سدة سرايا الدوار الرابع لنبوغته كغيرة من اصحاب الاحتياجات وكانوا مثالا في النبوغة والتحدي وليس بعيد عنا اصحاب الاحتياجات من امثال طه حسين عميد الادب العربي والبريطاني هوكينغ أشهر علماء الأرض والفنان الكبير سيد مكاوي وغيرهم الكثيرين الذين لا يتسع المقام على ذكرهم...
وفي هذا السياق يا دولة الرئيس ... نتوجه اليكم من مسؤوليتكم المجتمعية بضرورة تطبيق شعار" لكل طفل الحق في التعليم"، والعمل على ما يلي:
- اصدار قانون خاص بإلزامية التعليم لاصحاب الاحتياجات لتشمل المراحل التعليمية كافة وصولاً لسن الثامنة عشرة
- ان تكفل الدولة لهم فرصاً متكافئة في التعليم في كافة المؤسسات التربوية والتعليمية، والتدريب المهني، وتعليم الكبار والتعليم المستمر، سواءً ضمن الصفوف النظامية، أو الصفوف الخاصة مع توفير المنهج الدراسي بلغة الإشارة، أو طريقة برايل، أو بأي وسائل أخرى حسب الاقتضاء وضمان تكافؤ الفرص لهم في جميع مجالات الحياة...
- يجب ان تدعم الدولة الخدمات التعليمية، وتوفر الأدوات والسبل التربوية الخاصة لهم، لتفعيل دورهم التنموي في المجتمع بشكل كامل من منطلق إنساني وتربوي واجتماعي وثقافي، ولم يعد هذا الاهتمام تحت مظلة الرحمة والإحسان والعطف، بل لأنة إنسان قادر ولديه إمكانات بمستوى السليم، وإتاحة الفرصة له أن تجعل منه إنساناً ناجحاً وقادراً على منافسة الأصحاء في كافة المجالات....
- توفير خدمات الرعاية الاجتماعية والتعليمية والتأهيلية لهذه الفئة المجتمعية بما يتوافق والممارسات العالمية، ودراسة وتطوير أساليب ومناهج التعليم والتأهيل لهم تقوم عليه الجهات المعنية.
وخلاصة القول فإننا نؤكد دوما على ضرورة ان يحظى هؤلاء الاشخاصبرعاية خاصة واهتمام، لدمجهم في المجتمع والحياة العامة بهدف إظهار طاقاتهم وقدراتهم، وجعلها فئة منتجة تسهم بعملية في تنمية المجتمع وعملية التنمية الشاملة في الدولة. وكما يجب ان تعزز المؤسسات والمجلس الاعلى لذوي الاحتياجات الخاصة وهيئات المجتمع المدني جهودها من أجل تقديم الخدمات والإرشاد اللازم لذوي الاحتياجات ليجعلوا منهم أشخاصاً فاعلين قادرين على الاعتماد على أنفسهم، وخوض معترك الحياة، وتوفير الفرص الكفيلة لتحسين مستوى حياتهم، وتحقيق الاستقلالية وإزالة العراقيل والصعاب التي تعترضهم للوصول إلى مستوى حياة أفضل...
وبالعودة الى مناشدة السيدة الاردنية حول معاناتها من عدم قبول ابنها في المدارس الحكومية او الخاصة فقد يكون تبرير تلك المدارس (وتعفيها مسؤليتها الاجتماعية) الى الافتراض بأن النقص العددي لمعلمي التربية الخاصة في المدارس ولعدم وجود مختصين لمراقبة ومتابعة هذه الفئة من الناس... يضاف الى ذلك عدم توفر عدة برامج تدريبية ومرافق تستهدف تلبية حاجات الأطفال أصحاب الاحتياجات، ومدرسي رياض الأطفال، وتشمل البرامج إرشادات للتعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية والسمعية، وبرامج تحديد المواهب، والتعرف على لغة الإشارة للصم، واضطرابات اللغة التي يعانيها الأطفال.
وهنا يبرز السؤال الكبير :لماذا لم تقوم وزارة التربية والتعليم بالعمل على وضع الخطط اللازمة لتاهيل مدارسها لقبول هؤلاء الطلاب في المدارس الحكومية والخاصة على السواء...
باحث ومخطط استراتيجي
arajoub21@yahoo.com