ادراك البعض لحساسية موضوع ارتفاع الاسعار وللآثار السلبية التي يتركها في نفسية الناس ، جعله يميل الى ابتكار اساليب آخرى يعتقد انها ستكون اخف وطأة ووقعا على الناس ، بهدف التغلب على هذه الاشكالية وتجاوز تداعياتها النفسية على جمهور المستهلكين ، خاصة في ظل موجة الغلاء العالمية التي اخذت تجتاح دول العالم في الاونة الاخيرة وبصورة غير مسبوقة من حيث حجم الارتفاع واعداد السلع التي اجتاحتها هذه الموجة العاتية ، حيث اصبحت السلعة الواحدة عرضة لاكثر من ارتفاع في فترة زمنية قصيرة . وربما لا تستطيع شراء السلعة بنفس سعرها السابق حتى لو لم يمضي على آخر عملية شراء قمت بها سوى يوم او بعض يوم. لذلك يلجأ البعض الى اعتماد اساليب بديلة عن سياسة رفع الاسعار بصورة مباشرة بهدف التغلب على آثارها النفسية ، كأن يقوم بتثبيت سعر السلعة السابق في مقابل تقليص حجمها وتصغيره من خلال تقليل مكوناتها ومحتوياتها وتغيير مواصفاتها والعناصر الداخلة في انتاجها وتصنيعها ، بحيث تكون كلفتها وفقا للمواصفة الجديدة ( المبتكرة ) متناغمة ــ حسب رأيه ــ مع الزيادة التي طرات على سعرها ، وبذلك يحقق نفس نسبة الربح التي كان سيحققها لو فكر برفع السعر . وربما يحقق ربحا اكبر من المعتاد او المقرر جراء اعتماده هذا الابتكار الجديد للالتفاف على موجة الغلاء وارتداداتها السلبية.
واذا ما اخذنا بعين الاعتبار قيام هذا البعض بزيادة الاسعار بشكل يفوق نسبة الزيادة الفعلية التي طرأت على اسعار السلع ، اتساقا مع موجة الاسعار العالمية ، ادركنا حجم الضرر الذي سيلحق بمواصفات السلعة وحجمها ، تمشيا مع الفكرة الالتفافية التي اعتمدها في الترويج لبضاعته ، وبذلك يكون قد منح نفسه ( حقا شرعيا ) في التلاعب بمواصفات السلعة ومكوناتها بحجة المحافظة على سعرها السابق وثباته . وقد يكون ذلك على حساب جودتها وقيمتها ومواصفاتها الحقيقية في استغفال واضح للمستهلك واستغلاله والاستخفاف به . اضافة الى ان هذا البعض قد يلجأ الى رفع سعر السلعة وتقليص حجمها وتصغيره بآن معا ، مستخدما اسلحة مزدوجة في تحقيق ارباح فاحشة وعلى حساب المستهلك المسكين الذي تجير له في النهاية جميع فواتير الغلاء عبر المحطات التسويقية المختلفة بدءا من المنتج ومرورا بتاجر الجملة وتاجر التجزئة وصولا الى هذا المستهلك الغلبان. وما يلفت الانتباه ان البعض يتعاطى مع موضوع ارتفاع الاسعار وكأنه موضة دارجة يسعى الى مجاراتها واللحاق بها ، حتى لو انها لم تطال السلع ( والخدمات ) التي يتاجر بها ، وبات من الطبيعي ان نسمع العبارة التبريرية المشؤومة .. كل شىء ارتفع ، وقد يتم ربط هذا ( الكل شىء ) بارتفاع اسعار النفط عالميا رغم ان ليس لانتاجه وتصنيعه اي علاقة بموضوع النفط ومشتقاته .
وتزداد دهشتنا في ظل عدم اعتراف البعض بشىء اسمه القرش كعملة وطنية معتمدة ، خاصة بعض التجار الذين يتاجرون بالسلع الرخيصة او البسيطة التي لا يتجاوز سعرها خمسة او عشرة قروش مثل بعض سلع الاطفال كالشبس والعصائر ( المياه المصبوغة ) ، وذلك من خلال اصراره على رفع اسعار مثل هذه السلع بمبلغ يقبل القسمة على خمسة حتى لو كان سعرها خمسة قروش اصلا ؛ أي اننا نتحدث عن زيادة مقدارها 100% في الوقت الذي ربما لا تتجاوز فيه نسبة الرفع 10% او 20% او حتى 50% هذا اذا كانت مثل هذه السلع مشمولة اصلا بموجة غلاء الاسعار ، وبافتراض ان لها علاقة بالنفط !! . في المقابل علينا ان نعترف بدورنا في الترويج لمثل هذه الفوضى التي دبت في بعض اسواقنا ، لاننا نحن من برر لهذا البعض التلاعب بالاسعار بهذه الطريقة البشعة ، عندما اكتفينا وقبلنا على انفسنا ان نردد مقولة .. الغلاء عالمي ، بطريقة اوحت بانه شمل جميع السلع والاصناف وبالاسعار التي يقررها التاجر بغض النظر عن نسبة الرفع الفعلية . مرة اخرى .. هذا اذا كان هناك ارتفاع اصلا لبعض السلع التي تم اقحامها في سباق الاسعار الماراثوني .