على هامش التعيينات الأخيرة
احمد مساعده
08-02-2019 10:31 AM
على هامش التعيينات الأخيرة والتي ادخلت البلد في حالة من الهرج والمرج وحوار الطرشان، تستذكرني الواقعة التالية عندما كنت وزيرا لتطوير القطاع العام سنة ٢٠٠٤ في حكومة السيد فيصل الفايز، وقد قررت ان أسردها للعموم لأول مرة في هذه اللحظة ليس من قبيل المزايدة وتكسب الشعبية (والتي لا ابحث عنها) او من قبيل انتقاد الحكومة الحالية (فيكفيها ما يأتيها من انتقادات من الغير) او من قبيل التذكير بشخصي (فانا سعيد جدا حيث انا)، وإنما من قبيل تبيان انه اذا ما كان هنالك جدية في اي ملف ومنها تعيينات كبار الموظفين فالسبيل الى ذلك بسيط: إرادة حقيقية مع بعض المصداقية والعدالة وسيادة القانون والإجراءات الشفافة.
اذكر عندما تشرفت بان اخدم وزيرا كان منصب امين عام وزارة تطوير القطاع العام شاغرا، وحيث ان احد أسباب اختياري للمنصب كان وضع خطة استراتيجية للنهوض بجهاز الخدمة المدنية وفق أفضل الأسس العالمية المرتكزة الى قواعد الحوكمة والشفافية وابداع وانجاز الموظف، فقد قررت ان أبداً بوزارتي في اختيار منصب الأمين العام وفق تلك الأسس كي ارسي بيانا لباقي المؤسسات والناس على العموم بانه كهذا يتوجب ان تكون عليها الأمور.
تدارست خطتي مبدئيا مع الرئيس فيصل الفايز فوافقني (وللحقيقة كان داعما لي في كل ما أقوم به) وقررت وقتها اجراء مسابقة علنية تتكون من امتحانين كتابي وشفهي وتم الإعلان عن شاغر الوظيفة للعموم سواء العاملين في الحكومة وكذلك ممن هم خارجها ودعوة كل من يجد في نفسه الكفاءة والملاءة لشغل المنصب للتقدم للامتحان. ثم قمت بتشكيل لجنة ثلاثية متنوعة المرجعيات تتكون من شخصية من القطاع الأكاديمي متخصصة في الموارد البشرية وهو الدكتور رفعت الفاعوري وكان يشغل وقتها على ما اعتقد نائب رئيس جامعة اليرموك وكذلك شخص من القطاع الخاص ذو خبرة بالموارد البشرية وهو المهندس صخر العجلوني وكان يشغل آنذاك مدير الموارد البشرية في مجموعة نُقُلْ (اصبح لاحقا امين عام الديوان الملكي) وكذلك احد كبار موظفي ديوان الخدمة المدنية (واعتقد انه كان نائب المدير وتخونني الذاكرة باستحضار اسمه - اعتقد انه كان من عائلة الناصر)، وثم أعلمت اللجنة بانهم مسؤولون بشكل كامل عن كافة تفاصيل الامتحان ومخرجاته وان عليهم ممارسة العدالة والأمانة المهنية في فحص وتقييم المتقدمين وتصنيفهم دون تدخل من اي جهة كانت ونأيت بنفسي ابتداءا كوزير مسؤول عن اعمال اللجنة.
تقدم عشرات لشغل المنصب وعلى مدار ما يقرب من أسبوعين قامت اللجنة بعملها بكدٍ وتعب سواء من خلال الامتحان الكتابي ومن ثم اجراء المقابلات الشفهية مع الناجحين في الامتحان الكتابي وبعد ذلك قامت اللجنة بتسليمي تقريرا يتضمن ترتيب وتصنيف أفضل عشرون ناجحا مع علاماتهم وجاءت في المرتبة الاولى السيدة منى هاكوز. وقد كان هذا الأسلوب حديثا لم يسبق ان قامت به الادارة الحكومية الاردنية.
ويستحضرني هنا انه كان من ضمن قائمة الناجحين العشرين (لكن ليس ضمن اول خمسة في الترتيب) شقيق لوزير عامل معنا في الحكومة آنذاك (كلاهما - اي الوزير وشقيقه واللذين لا ارغب بذكر اسمهما - من كرام الناس وممن قدموا للبلد العطاء الكثير والخدمات الجليلة أباً عن جد) الا ان الوزير المذكور (زميلي في الحكومة) لم يتدخل في طلب تعيين شقيقه او تقفيزه عن الآخرين لان اخلاقه ارفع من ان تجعله يخرق قواعد العدالة ولانه يعلم بان احمد خلف مساعده لن يستجيب لأي طلب غير مشروع! وعلى علمي لم يجر تعيين ذلك الشقيق في الحكومة الى تاريخه.
بكل الأحوال أخذت قائمة الناجحين الى رئيس الوزراء ومن ثم الى مجلس الوزراء وشرحت لهم كافة الإجراءات التي قامت بها وزارتي وطلبت تعيين السيدة منى هاكوز أميناً عاما لوزارة تطوير القطاع العام باعتبارها صاحبة الحق والأفضلية في التعيين وبالفعل قرر مجلس الوزراء تعيينها وعملت معي طيلة فترة عملي كوزير ومن بعد ذلك.
لم اعرف السيدة هاكوز من قبل ولا اعرف أين هي الان ولكن اعرف انها كانت كفاءة كبيرة وسندا لي في خطة نهضوية شاملة كنّا نحلم بتحقيقها للقطاع العام في مجالات عدة ومنها آلية تعيين جميع الموظفين كبارهم وصغارهم، ولكن للأسف فإن الواقع بعد خمس عشرة عاما يعبر عن ذاته بالشواهد التي تضربنا كل يوم من كل حدب وصوب. وسلامتكم!