فساد "الأيادي النظيفة" (ج1)
مجدي الخلايلة
07-02-2019 11:55 PM
هو أفضع وأخطر وأشد أنواع الفساد وأفتكه على الجميع دون إستنثاء؛ ولا يبقي معه في المنشأة شيء لتقف عليه من جديد؛ وهذا الفساد هو رأس حربة الفساد المالي والإداري؛ فترتيب قبول الموازنات والتقارير المالية؛ وإتقان المهارات المالية والإدارية السلبية؛ وتأمين المعابر الآمنة للهرب من أنظمة الرقابة المالية والإدارية المحلية والإقليمية هو شعارهم الأزلي والتقليدي والدائم.
فبفضلهم ضاعت مليارات الدنانير؛ وهم فقط من يعلمون أين وكيف أخفوها؛ ويملكون الأدلة على ذلك لإدامة تعامل زبائنهم معهم من جهة؛ والمسيطر عليهم من جهة أخرى سواء في القطاع العام أو الخاص.
وفي سبيل إستفادتهم وحماية أنفسهم من الأنظمة المالية والإدارية إستغلوا كافة القوانين أيمنا وردت؛ فكانوا الأكثر دقة بإستعمال الكلمات والألفاظ هروباً من المسؤولية؛ فهم يحلقون على إرتفاعات شاهقة يتعذر على إجراءات المكافحة والرقابة الوقائية التقليدية الكلاسيكية رصد الشبهات فيها.
ورأسمالهم سمعتهم؛ فهم يحمون أنفسهم من خلال أنظمة مالية وإدارية إلكترونية بالغة التعقيد وبرامج محاسبية شديدة الحساسية؛ الوثائق الورقية تكاد تكون معدومة ولا يحتفطون بها.
شعارهم الزائف عبارة قاتلة يرددونها دائما "كل شيء على ما يرام" وهي ذات العبارة التي أدت لإنهيار شركات عالمية مثل شركة (إنرون) للطاقة؛ وشركة (وورلدكوم)، والتي تبعها إنهيار أعظم شركة تدقيق في العالم (آرثر أندرسون)؛ ونتيجة لتلك الإنهيارات الضخمة ومع إزدياد حدة المنافسة بين أصحاب الأيادي النظيفة إنهارت شركة (كويست) و(جلوبال كروسينج) و(تيكو) بعد أن تكبد المستثمرون ما يقارب (460) مليار دولار من الخسائر نتيجة الإستثمار في هذه الشركات. وتم تسوية بعض هذه القضايا دون الإعتراف بالذنب بها. والمبرر الرئيسي لكل هذه الإنهيارات العظمي يظهر عندما يهدد صاحب الأيدي النظيفة من عميله بأنه سوف يستبدله بجديد.
الخلاصة: لا يعرف الفاسدون عبارة "كل شيء على ما يرام"؛ وهذا سبب نجاحهم.
فقد كان شعار بابلو اسكوبار في كولمبيا "إما أن تقبل؛ أو تصمت؛ أو تُقتَل" فإما أن تقبل الرشوة لتمرير أي شيء وكل شيء أو تصمت عن المخالفة أو أنك ستقتل؛ وقد كان يفي بتعهداته في الخيار الأخير. وقد لآذ كثيرون بالصمت حينها لأنه كان أبلغ لهم وأجدى. فسيطر على كل شيء؛ وفقد كل شيء معناه لديهم؛ إلى أن بلور المجتمع الكولومبي حينها فكرة (إما أن تكافحهم أو تصالحهم). فأختاروا الأولى ولم يعد المسؤولين في كولومبيا معها يستخدمون عبارة كل شيء على ما يرام؛ وعندها بدأ النجاح وبدأت الدولة تسترد هويتها.