الوطنية والأنتهازية .. وبينهما ما يدمي القلب .. !!
د.طلال طلب الشرفات
07-02-2019 02:00 PM
منذ عقدين ونيف يشهد الوطن حالة من الأرتباك، وتفاقم في الخلل الذي يرافق الأداء العام، وتراجع وانفكاك في منظومة القيم الوطنية واولويات الخلاف والأختلاف، وهذا الخلل لا يقتصر على الحكومات بل يتعداها الى القوى الأجتماعية والسياسية، وللأسف فقد اضحى الخلل سمة والأستقواء على الدولة ثقافة، والأنحياز للسلبية والعدمية اسلوب، والأنقياد للهويات الفرعية نهج مقيت، ولم تعد الحكومات تعكس الحس الوطني الجمعي وانما مصالح وافكار ونهج فئات ضيقة لها اسبابها ومسبباتها المقنعة في صراع المصالح السياسية، ولكن لا تتضمن سبباً واحداً يتعلق بمصالح الدولة العليا.
ليس هناك قاسم مشترك واحد بين فلول حراك الرابع، ولم الحظ برنامج وطني في مطالبه كي يقنعنا بالأنتماء اليه، وعناوين كبيرة في الهتاف يكتنفها الغموض ولا تعبر عن افق سياسي واضح، وغياب للقوى السياسية، وعدم وجود معايير وطنية متفق عليها لسقف المطالب، وما بين مطالب مناطقية وعشائرية وسخط على اشخاص ومواقف تتقلب الهتافات ، فأنا لم استطع ان احدد هوية الحراك، وهل هو احتجاج على نهج الدولة المدنية ودولة التكافل والانتاج؟ ام مطالبة بأنسنة ضمير الحكومة في قراراتها الأدارية والسياسية، ام ثمة مطالب مشروعة واختلاف في الرؤى والتوجهات السياسية ؟ ام انه حراك ساخط ينطلق من عدمية الطرح وغياب الهدف، ام ان ثمة قوى او أشخاص تدفع به داخلية كانت ام خارجية، ام انه يعبر عن وجع الفقراء فعلاً او يحاكي أحلام المتقاعدين قسراً وأيتام الحكومات السابقة.
وبالمقابل هل يحتمل الوطن ترف الوقيعة السياسية للمحافظين القدامى والجدد في الصالونات السياسية، وفلول اليسار الذين لم يجدوا لهم موطئ قدم في الحكومة ومؤسساتها ليزيدوا الخلل دماراً آخر، وهل يعتبر وضع العصي في دواليب المسيرة الوطنية التي بالكاد تتحرك ببطء اختلافاً في الرأي ام انه امعان في خدمة الأجنبي الذي يريد للدولة الاردنية ان تتآكل وتنهار – لا قدر الله – لتمرير المخططات التوسعية وتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن وهويته الوطنية,
اما الحكومة التي توسمنا فيها خيراً وحملناها على اكتاف الأمل، ورأينا في رئيسها مثالأً للنزاهة والحياد فقد وقعت في اخطاء مريعة ولم تستمع للنصائح الصادقة التي قدمها المخلصين والحريصين على نجاحها في اداء مهامها ، واقتفت ذات النهج الذي درجت عليه حكومة الملقي، واعادت وزراء التأزيم بثوب جديد، وأخفقت في تشكيل حكومة سياسية تعكس تطلعات الحد الادنى من رضا الناس، وفشلت في تقديم خطاب مقنع للجمهور المحتقن اصلاً، ولم توفق في قراءة حساسية الرأي العام تجاه المواقع الوزارية والوظائف العليا، وعجزت عن قراءة مكامن الأحتجاج الحقيقي المؤثر في الشارع الاردني.
بعد السقوط المريع للحكومة السابقة تحت وطأة الاحتجاجات الشعبية؛ كنا نأمل من حكومة يرأسها شخص محصن محبة الناس واحترامهم، وليس في سيرته وتاريخه المهني والسياسي ما يخشى منه؛ ان يعمد فوراً الى تشكيل حكومة سياسية صلبة ومتوازنة ومنسجمة وتحظى باحترام وقناعة القوى الفاعلة، سيما وأن الظرف الوطني لم يكن يحتمل تدريب اشخاص جدد على تحمل المسؤولية السياسية، ولم نكن نملك تلرف الوقت لتقريب التكنوقراط والطارئين على العمل العام، وكنا نتوقع ان تعمد الحكومة الى ازالة كل مظاهر الضعف والخوف والتردد من الادارة العامة ومؤسسات الرقابة، وان تتخذ قرارات جذرية شجاعة في اعادة البناء باسلوب ينسجم مع حالة تغيير حقيقي لنهج الحكومات، وهو ما لم يحدث للأسف.
لأول مرة اشعر بهذا الحجم من القلق، حراك عشوائي وانفعالي ولا يحمل برامج حقيقية، وشخصيات وطنية ورجال دولة يفترض انهم سند الدولة واستقرارها في هكذا ظرف يجلدون الدولة بسلبيتهم وفنون الوقيعة السياسية التي يمارسونها لأسقاط الحكومة دون افق وطني معقول، وحكومة ما زالت تسير بسرعة السلحفاء خذلت رئيسها بقسوة، ورئيس ما زال يمارس العناد ولم يعد يملك ترف الوقت للأختبار من جديد، والحل الوحيد لترميم الوضع العام؛ حكومة سياسية من خلال تعديل موسع لا يقل عن خمسة عشر حقيبة كحد ادنى والعودة للاستشارة غير الملزمة واعادة بناء الهندسة الوظيفية للموقع العام بعيداً عن المحاصصة المقيتة، واعادة بناء المؤسسات الرقابية جميعها بثوب جديد.
لقد آن اوان السمع والطاعة لمطالب الناس المنصفة، ولم يعد مقبولاً ان يضطر جلالة الملك للتدخل في الامور التي يفترض ان تعالج بالأجراءات اليومية العادية، ومهما كانت قناعتنا بنوايا الرئيس وحرصنا على الأنحياز له ولحكومته وانجاح مهمته الا ان الوطن اهم واغلى وتعليق الجرس بخطورة الظرف واجب وطني تجاه الوطن والناس، واخلاقي تجاه الرئيس وفريقه الوزاري، فالصديق من صدقك لا من صدّقك، وللحديث بقية....!!!