ويترجل طبيبان شابان خلال يومين بعمر ورود أينعت ليحين أوان فرحة الوالدين التي طال انتظارها، ولكن، أي عزاء لأم ثكلى وأب توقف الدمع في عينيه؟
إلى متى تبقى مهزلة الأنظمة الإدارية التي رمت خلف ظهرها أبسط حقوق الإنسان؟ وإلى متى هذا التخاذل من النقابات التي انشغلت بكل شيء إلا حقوق منتسبيها؟ وإلى متى هذا الاستغلال المجحف لطاقة الشباب وكأنهم آلات تعمل ليلا ونهارا لتؤمن لقمة عيش كريمة أو لسد احتياجات الدراسة التي كرس لها الأطباء أحلى سنوات حياتهم؟ وإلى متى سيضطر الأطباء الشباب للعمل في أكثر من مكان بسبب هزالة الرواتب أو انعدامها تماما بل والدفع مقابل الاختصاص في أكثر الأحيان، ناهيك عن غلاء المعيشة الذي نكل بالشباب وقتل طموحاتهم وأحلامهم.
المفارقة العجيبة في وطني أن عدد الخريجين من الأطباء يفوق حاجة الأردن وعدد الموظفين منهم لا يكفي لسد حاجة المرضى والمهزلة الأكبر ذلك العدد العاطل عن العمل.هؤلاء الشباب الذين درسوا وتفوقوا وأنجزوا لماذا لا يكونون لبنة بناء في وطن يحتاج لكل السواعد؟ ولماذا لا نقدر تفوقهم وجهودهم ولو بإعطائهم أبسط حقوققهم وهو حق العمل لساعات يمكن للبشر تحملها والتعامل مع عدد من المرضى يمكن لقدرات الطبيب الإنسانية أن تقدم لهم يد العون؟ فكيف يمكن للطبيب أن يعالج في اليوم الواحد أكثر من ستين مريضا، فمعادلة الوقت والمنطق تقول إنه غير قادر حتى على التعرف على أسمائهم.
ومثل الأطباء معظم أبنائنا وفلذات أكبادنا الذين ربيناهم بدموع أعيننا ليتخرجوا ويصبحوا عبئا إضافيا على أعداد العاطلين عن العمل فتسد في وجوههم السبل وتقتل الطموحات ويؤجل حتى الحب فلعله يصبح مناسبا بعد الأربعين.
في الأردن الذي عشقناه حتى الثمالة يخطف الموت أبناءنا شبابا فمنهم من يموت في غرفة مستشفى كرس روحه فيها لإنقاذ أرواح الآخرين، ومنهم من يموت على الطرقات لأسباب تعددت والموت واحد، ومنهم من يقفز من فوق جسر لينهي حياته بإرادته لأنه فقد إيمانه بجدواها.
سؤال نرفعه بقوة بوجه جميع المسؤولين: هل يمكن أن تكون ظروف العمل المجحفة سببا رئيسيا لوفاة البعض مع العلم أن أسبابا لا حصر كانت كافية لوفاة الطموحات والأحلام وزرع فكرة الهجرة في كثير من العقول؟ هل تخلت المؤسسات عن واجبها في توفير فرص العمل للاستفادة من كل هذه الطاقات المعطلة ؟ هل ستصبح هجرة العقول ظاهرة في وطني أو حلما رومنسيا لا يفارق الكثيرين؟ إلى متى هذا الإجحاف بحق هؤلاء.
أبناءنا أحباءنا يا أمل الأمة كم يتمنى كثيرون مساعدة كل واحد فيكم ولكن هيهات فليس القرار في أيدينا وليس في القلب سوى حسرة عليكم.