قبل عشرين عاما إلا بضعة أيام، كان المغفور له الملك الحسين يرقد على سرير المرض في أحد مستشفيات» مايو كلينك» الشهيرة في الولايات المتحدة، كان الأطباء يحاولون جهدهم تأمين القدر الكافي من الراحة لما يعانيه الحسين، حينها جاء إتصال الى رئيس الفريق الطبي في المستشفى، كان المتصل رئيس وكالة المخابرات المركزية،وطلب من الطبيب تقريراً عن حالة الملك، فأخبره الطبيب أن لا بوادر للشفاء والوقت لا يسعفه، حينها طلب الضابط الكبير من إدارة المستشفى أن لا يتوفى الملك في أمريكا،وعليكم أن تتصرفوا،وهذا نقلاً عن أحد زملاء قناة فوكس الأمريكية، بعدها أعلن الأطباء أنه لم يتبق سوى أيام للملك والأفضل أن يغادر الى وطنه.
في السابع من شباط 1999 مات الحسين، ودخل الأميرعبدالله الثاني وليا للعهد الى مجلس الأمة ليقسم اليمين الدستورية،يرافقه الأمير الحسن وأشقاؤه الأمراء وعدد من أفراد الأسرة، وقبيل دخول الملك طلب رئيس مجلس الأمة زيد الرفاعي من أعضاء المجلس قراءة الفاتحة على روح الراحل الكبير الحسين بن طلال ووصفه » بأغلى الرجال»، ثم اختنق صوت الرفاعي وتحشرج وما كاد ينهي جملته حتى أسمع نحيبه المجلس، فجهش عدد من الرجال بالبكاء، المشهد كان تراجيدا، ولم يفضّه إلا دخول عبدالله الثاني ليقسم اليمين ملكا رابعا على الأردن الذي بناه جيل الرعيل الأصيل من الرجال وسط حلقة النار، ليكون مستقبلا مشرقا للأجيال التي ترعرعت في أحضان وطن عزيز منيع.
في ذلك الزمن كان الرجال يبكون، لأن المفقود غال جدا ويعز نظيره، لقد بكوا من قبل على وصفي التل الأسطورة الأردنية، وعلى هزاع المجاليه، لأن موتهم كان غيّلة وهدم لأركان الدولة الأردنية، ولهذا فإن حب الرجال للرجال هو بكاء ونحيب وحسرات لا تشترى بالمال بل تفتدى بالأرواح تماما كما هي الأوطان، التي لا تقاس بالأثمان بل بقيمّ مقدسة لا يقبل عاقل أن يفرط بها، بل إن «شرف الوطنية الرفيع لا يسلم من الأذى إلا إذا أريق على جوانبه الدم».
كثيرة هي الأوطان و لكن قليل هم القادة العظام، القادة الذين يحمون سيادة بلادهم ويرفعون شأن شعوبهم ويدافعون عن تاريخها وحضارتها ومقدساتها الوطنية، ولا يتأتئون على المنابر العالمية ليدافعوا عن قيم العروبة وحضارة الإسلام وعربية الأديان السماوية ورفعتها، ويحافظون على نسيج مجتمعاتهم من كل عرق ودين، يجمعون ولا يفرقون، يتسامحون ولا يحقدون، يتشاركون البناء ولا يغمطون حقوق الآخرين، يحفظون ميزان العدل ولا يميلون لأهواء الأنفس ورغبات الأقرباء، وهذا هو الأردن واحد من أعتق الأنظمة العربية ولا زال شعبه ونظامه في بوتقة واحدة، يدافعون عن الوطن كل من وجهة نظره، يختلفون على حبه ولا يختلفون عليه، ولا زال الأمل بالله أن يبدل الأحوال لأحسن حال.
عشرون عاما مضت، بدأها الملك عبدالله الثاني سعيا لتحديث الدولة دون تصفيق ولا تلميع، ولكن الرجال كانوا قد مضوا الى حتوفهم أو تقاعد شيخوختهم، وقضى السنوات يقلب دفاتر المسؤولين علّه يجد من يجدد معه عهد البناء ورسم الطريق، وكلما استبشر بقوم وجدهم يتوكأون عليه، فإن أصابوا مدحوا وإن أخطأوا تبرأوا، حتى أغرقونا وهرولوا بعيدا، فلم ينفعنا خريجوا مدارس الغرب ولا مدارس العُرب، وبقي الله معنا يحمي هذا الوطن ويرأف بهذا الشعب الذي يبحث عن زعيم يبكي عليه بكاء الرجال، وبقي الأمل في جلالة الملك ليرسم خارطة طريق جديدة لمستقبل شعب جلّه من الشباب لعشرين عاما قادمة بحفظ الله نهاجر اليه ولا نهجره، ونبكي فرحا به ولا نبكي عليه.
Royal430@hotmail.com
الرأي