مشاريع الأشغال العامة فرصة حقيقية لتقليل الفقر والبطالة وتحقيق التنمية
د. سامر إبراهيم المفلح
06-02-2019 10:08 PM
مع وصول مؤشرات البطالة في المملكة إلى معدلات مرتفعة جدًا(18.6% في الربع الثالث من العام 2018)تتجاوز الحدود الطبيعية والآمنةالتي تستهدفها الكثير من الدول المتقدمة (3%)،فلا بد من إيجاد آليات عمل حقيقية تقود إلى تخفيض معدلات البطالة وتحفيز التنمية الاقتصادية بأساليب غير تقليدية وتكاملية بين مختلف الجهات، ولعل من أهم الأدوات الفعّالة التي تستخدم في عدد من دول العالم،هي مشاريع الأشغال العامةللحد من الفقر والبطالة، التي يتم من خلالها توظيف أعداد كبيرة من المواطنين بأجور تقترب من الحد الأدنى من الأجور لفترات مؤقتة، من أجل تنفيذ مشاريع تنموية تتطلّب أعدادًا كبيرة من العمالة،أيضًا تقدم بعض الدول للعمال خلال فترة تنفيذ المشاريع حُزمًا من الخدمات الإضافية مع هذه المشاريع مجانًا كخدمات النقل أو بعض الخدمات الاجتماعية والتعليمية.
الكثير من دول العالم استخدمت مشاريع الأشغال العامة للحد من الفقر والبطالة وتمتد هذه الممارسة لمئات السنين، فقانون توظيف الفقراء البريطانيمنذ أكثر من 200 عام والذي تم سنّه في عام 1817 أنشئ لهذه الغاية، كما أن ألمانيا لجأت إلى هذه المشاريع في فترة البناء بعد الحرب العالمية الثانية، في الفترة المعاصرةدول كثيرة بما فيها كوريا، اندونيسيا، الهند، الأرجنتين، البيرو، أرمينيا، واليمن وغيرها من الدول لجأت إلى هذه المشاريع من أجل تحقيق التنمية وتقليل الفقر وتوفير فرص العمل وكانت النتائج إيجابية ومذهلة.
إن مشاريع الأشغال العامة للحد من الفقر والبطالة التي تنفذها الدول تكون بالعادة ضمن ثلاثةأنواع من المشاريع: الأولى هي مشاريع البنية التحتية سواء كانت بنية تحتية اقتصادية مثل إنشاء الطرق، الموانئ، السدود، السكك الحديدية وغيرها، أو بنية تحتية معنية بتوفير خدمات المياه والصرف الصحي مثل مشاريع توفير مصادر مياه عذبة للشرب، وبناء قنوات الري، إلى توفير خدمات الصرف الصحي، وبنية تحتية اجتماعية من بناءوإعادة تأهيل المدارس والمستشفيات والمراكز الصحية، ومرافق تقديم الخدمات الاجتماعية العامة. النوع الثاني هي مشاريع استصلاح وتأهيل الأراضي ومصادر المياه كالأنهار وبرامج التشجير الوطنية، والنوع الثالث هي مشاريع الخدمات الاجتماعية والأعمال التطوعية.
والفكرة في هذه المشاريع أن تقوم الدولة بتنفيذ مشروع مثل بناء طريق رئيسي يحتاج إلى الآلاف من العمال،ويتم اختيار الأشخاص الذين هم أكثر حاجة إلى مصدر دخل للعمل بهذه المشاريع، فيتحقق من هذا المشروع العديد من الفوائد، من أهمها تأمين مصدر دخل للأشخاص الأكثر حاجة، وتنفيذ مشاريع تنموية حقيقية تنعكس إيجابًا على الأنشطة الاقتصادية في الدول وبكلف قليلة، فمشاريع الأشغال العامة هي مشاريع ذات طابع تنموي وبتكاليف منخفضة تحقق هدفًااجتماعيًا يقلّل من الفقر والبطالة، وميزة مشاريع الأشغال العامة للحد من الفقر والبطالةأنها مشاريع لا يمكن استغلالها بشكل سلبي من قبل المستفيد، فهي تعتبر برامج ذاتية الاستهدافلمكافحة الفقر، حيث إن الشخص القادر المستعد للعمل هو من يبادر للتسجيل في هذه المشاريع من أجل تأمين دخل مؤقت له، وهذا يعطي فرصة حقيقية للأشخاص المتعففين الذين ينأون بنفسهم عن الحصول على معونات من كسب قوت يومهم من خلال عملهم، كما أن هذه المشاريع توفر فرصًا حقيقية للعاملين باكتساب خبرة عملية، وصقل مهارات عمالية مطلوبة في سوق العمل، وأيضًا تعطي مؤشرًا إيجابيًا لأي رب عمل في المستقبل على قابلية الشخص للعمل.
قد يتساءل البعض ما هي مشاريع الأشغال العامة للحد من الفقر والبطالة في المملكة الممكن تطبيقها، وبالنظر إلى المشاريع الوطنية الكبرى تبرز مجموعة من المشاريع المقترحة التي يمكن تطبيق مفاهيم مشاريع الأشغال العامة للحد من الفقر والبطالة عليها، مثل مشروع "عمان الجديدة" أو كما سمّي" المدينة الجديدة" والذي أطلقته الحكومة في العام 2017 بحيث يمكن توفير العديد من المشاريع الإنشائية المتعلقة بتجهيز البنية التحتية، والمرافق العامة، وتعبيد الطرق،وقد نتساءل اليوم أين وصل ذاك المشروع الذي التزمت به الحكومة آنذاك وأخذ صدى إعلاميًا هائلًا؟وكذلك مشاريع أخرى كمشروع السكة الوطنية الشاملة خصوصًا فيما يتعلّق بتجهيز البنية التحتية للمشروع، وأيضًا أفكار لمشاريع كانت مقترحة في الماضي مثل القطار السريع بين عمان والزرقاء،وسكة الحديد بين عمان والعقبة، وحتى في المستقبل إذا قامت الحكومة أو أمانة العاصمة بتنفيذ مشروع مثل مترو عمان،فالعديد من متطلبات تجهيز وتوفير البنية التحتية يمكن تنفيذها من خلال مشاريع الأشغال العامة للحد من الفقر والبطالة،وهناك مشاريع يمكن استحداثها مثل مشاريع من أجل تأهيل البنية التحتية للمرافق السياحية ومشاريع مثل إعادة تأهيل سيل الزرقاء ومشاريع التشجير الوطني سواء أكان تشجيرًا حرجيًا، أم مثمرًا للملكيات العامة، أو الخاصة، مقابل أجر، أو إجباريًا لأصحاب الأراضي الزراعية في حال تعدّلت التشريعات يمكن تطبيقها تحت مسمى هذه المشاريع.
تطبيق مشاريع الأشغال العامة للحد من الفقر والبطالة يتطلّب جلوس جميع الأطراف مع بعضهم البعض من وزارات مهتمة بتطوير البنية التحتية والخدمات مثل الأشغال، النقل، السياحة، الزراعة وغيرها،ووزارات وجهات حكومية مهتمة بالشأن الاجتماعي وسوق العمل، مثل وزارة العمل،ووزارة التنمية الاجتماعية، ووزارة الشباب، وصندوق المعونة الوطنية من الجانب الآخر،للاتفاق على أولويات المشاريع وآليات التطبيق المناسبة، مع توفير المتطلبات المالية لتنفيذ هذه المشاريع والاتفاق على كيفية توزيعها بين الأطراف المختلفة، وضمن إطار محوكم ومتابع يضمن تحقيق هذه المشاريع لأهدافها الاقتصادية التنموية والاجتماعية المتعلقة بتقليل نسب الفقر والبطالة.