الأردن أنموذجا في عيش "الأخوة الإنسانية"
د. باسمة السمعان
06-02-2019 01:54 PM
كثر الحديث مؤخرا عن زيارة البابا فرنسيس التاريخية الى دولة الإمارات العربية وعن أبعادها وأهميتها بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط والظروف الراهنة التي تحكمها ، وكانت أبرز التحليلات تركز على انخفاض أعداد المسيحيين في المنطقة بسبب الحروب والتوترات الطائفية ناهيك عن التحديات الإقتصادية والتي تقع في خانة انعكسات الوضع الراهن الذي تعيشه المنطقة.
وايضا تناولت التحليلات والمقالات قرارات حظر بناء الكنائس في بعض المناطق وعمليات وهدم الكنائس واحراقها في مناطق اخرى
مما زاد من خوف المسيحيين من هكذا افعال وهجرتهم ونزوحهم من اوطانهم واللجوء لمناطق اخرى اكثر امنا واستقرارا، كما يحدث الان في اليمن وحدث سابقا في العراق مع الآف المسيحيين الذين تركوا أوطانهم خلال الغزو الأمريكي عام 2003 ولا يزال يتكرر وغير مستقر ، وايضا ما شهدته مصر من اعتداءات دموية راح ضحيتها العشرات .
جاءت زيارة البابا الى دولة خليجية تلبية لدعوة ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد الا تأكيدا على الفكر الجديد الذي تنهجه المنطقة في إعلان وترسيخ مباديء التعايش الديني والعيش المشترك ،والوئام وبناء جسور السلام ، ولتعزيز التفاهم والعلاقات بين الأديان ومواصلة العمل مع القادة المسلمين أملا في جعل الشرق ألاوسط والعالم الاسلامي أكثر أمنا وأمانا وترحيبا بالمسيحيين ،خاصة في دولة المملكة العربية السعودية وايران ، حيث ان دول الخليج تضم الملايين من المسيحيين القاطنين فيها من بلدان اسيوية يعملون فيها ، وفي اطارهذه الزيارة سيقوم قداسته بدعم هذا المجتمع وتشجيعهم.
هذا وقد صرح قداسة البابا قبيل زيارته الى الإمارات وبعدالاحداث المؤلمة والنزاعات التي تشهدها دولة اليمن ، بأن تلتزم الأطراف إحترام فترة الهدنة بحيث يضمن توزيع المواد الغذئية ويعمل من أجل خير الشعب ، مع الجدير بالذكر بأن الإمارات مع السعودية شركاء في الحرب ضد الحوثيين في اليمن.
فزيارة البابا الى دول الخليج هي مهمة وجديرة بالاهتمام والنداءات المنطلقة من هذه الزيارة هي مهمة ايضا علي الصعيد السياسي والاخلاقي والمعنوي والروحي ،لكن نحن بحاجة الى المزيد ، نحن بحاجة الى الاستقرار ووقف كامل للنزاعات والحروب والمضي في مسيرة اقتصادية شاملة بحيث تنعش المنطقة ، وتعود الثقة بها ، لكي نحد من عملية الهجرة ، للمسلم والمسيحي على حد سواء ، فهذا الشأن لن يتحقق ما دام لا يوجد سلم اقتصادي ينعم الناس به بالعيش الكريم .
الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي عند سؤاله عن أبعاد الزيارة التاريخية لقداسة البابا الى الإمارات أجاب " بأن الزيارة هي مهمة جدا حيال موضوع هجرة المسيحيين،والتأكيد على وجودهم في المنطقة حيث ناشد السوريين والعراقيين والفلسطينيين واللبنانيين، مسلمين ومسيحيين، "عدم مغادرة أوطانهم والعيش معاً للحفاظ على مسيرة تاريخهم المشترك والثقافة التي بنوها أحدهم مع الآخر عبر التاريخ " وأضاف "ونقول لسكان هذه المنطقة: حافظوا على وجودكم وتراثكم وواصلوا كتابة التاريخ معاً".
وهذا ايضا ما جاء من لقاء قداسة البابا فرنسيس مع القادة الروحيين لرؤساء الكنائس في الشرق الاوسط في لقاءهم الأخير مع قداسة البابا في مدينة باري الإيطالية حيث طالبوا بتوصياتهم بأن تحقيق السلام في المنطقة هو الأساس في الحفاظ على الوجود المسيحي ، فعلى الدول المعنية البحث عن حل سياسي قبل كل شيء " وايضا شرق أوسط بدون مسيحيين لا يمكن تخيله ، وليس من اجل اسباب دينية ، ولكن لاسباب سياسية واجتماعية لان المسيحيين عنصر اساسي في توازن المنطقة ، وهم ليسوا بأقلية محمية تعيش المسامحة بشكل جيد ، انهم مواطنون يريدون ان يتم الدفاع عن حقوقهم وضمانها مع حقوق جميع المواطنين ، وايضا هناك حاجة ملحة لمواصلة الحوار بين اتباع الديانات .
وبعد الاستقبال الحافل الذي استقبل فيه قداسة البابا من الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي وشيخ الأزهر الشريف الشيخ أحمد الطيب، ليكون أوّل حبر أعظم يزور شبه الجزيرة العربية ومنذ لحظة وصوله ، كان أبرزها اللقاء التاريخي الذي جمع بابا الفاتيكان وشيخ الأزهر الإمام الأكبر أحمد الطيب في جامع الشيخ زايد في العاصمة الإماراتية أبو ظبي ،
حيث تم توقيع وثيقة " الأخوة الإنسانية" بتنظيم من أعضاء مجلس حكماء المسلمين وحضور ومشاركة قيادات دينية وشخصيات فكرية وإعلامية من مختلف دول العالم "وهي دعوة لنشر ثقافة السلام واحترام الغير وتحقيق الرفاهية بديلا عن ثقافة الكراهية والظلم والعنف
وجاء فيها ايضا مطالبة قادة العالم وصناع السياسات ومن بأيديهم مصير الشعوب بالتدخل الفوري لوقف نزيف الدماء وإزهاق الأرواح ووضع نهاية فورية لما تشهده من صراعات وفتن وحروب عبثية"
فالوثيقة تدعو كل من يحمل في قلبه "إيمانا بالله وبالإنسانية " ان يعملوا معا لتحقيق هذه الاهداف لكي يكونوا خير دليل للاجيال القادمة في تحقيق ثقافة السلام والحوار والاحترام المتبادل..
وفي تعليق لقداسة البابا عن الوثيقة قال" بانها ستكون شهادة لعظمة الإيمان بالله الذي يوحد القلوب المتفرقة ويسمو بالإنسان" وقد تم اختيار أبو ظبي لتشجيع هذا النموذج المميز للأخوة الإنسانية وتعزيز التسامح بين الأديان .
وأضاف في كلمته وهو على يقين بالدور العسكري للإمارات في حرب اليمن ، قائلا "الحرب لا يمكن أن تؤدي لشيء سوى البؤس، والسلاح لا يجلب إلا الموت... عواقبها الكارثية بادية أمام أعيننا. أفكر بشكل خاص في اليمن وسوريا والعراق وليبيا، وتابع قائلا "دعونا نلزم أنفسنا بمعارضة منطق القوة المسلحة" فهل تلقى كلمته تجاوبا ؟
مما ذكر سابقا نرى أن العالم قادر على ايجاد ارضية مشتركة تحقق هذه الرسائل ، وايضا هناك نماذجا تسير على هذا النهج وقد استطاعت ان تحقق نجاحا مميزا في هذا المضمار ، فالاردن ومنذ عهد مضى لا يزال يسير بسياسته على هذه المباديء والتي تطالب بالعدالة والحرية والحفاظ على الكرامة والاخوة الانسانية ، وايضا على مبدأ الوئام الديني والعيش المشترك والاحترام المتبادل ، وما جاءت جائزة تمبلتون والتي حاز عليها جلالة الملك عبدالله الثاني مؤخرا الا تأكيدا على أن الاردن يعد انموذجا أمام المجتمع الدولي لتحقيق هذه الغايات ، فما علينا الا أن نتحد معا من أجل تحقيق أخوة إنسانية عربية مشتركة ولتنعم أمتنا بالأمن والسلام.