تعيينات الوظائف القيادية والجاسوس الروتيني
أحمد عبد الباسط الرجوب
06-02-2019 11:54 AM
تابعنا بكثير من الاهتمام قرارات الحكومة مؤخرا بملء الشواغر القيادية في أجهزة الدولة الإدارية والتي صاحبها لغط عارم من الشارع الأردني والتي أتت على خلفية التنفيعات المصلحية بين الحكومة وبيت التشريع مجلس النواب الأردني وما صاحبه من قيام الملك عبد الله الثاني بتراس اجتماع مجلس الوزراء لمناقشة هذا الخلل الإداري الشنيع ، ولكن ما يهمنا دوما في المقام الأول هو قدرة من تبوأ هذه المناصب للنهوض في أداء ادارته وانعكاسها للصالح الدولة والمواطن المتلهف الى رؤية بصيص امل في تحسن نمط تقديم الخدمات العامة اسوة بالدول المتقدمة بالحد الذي يصل الى 50% من تلك الدول من خلال التركيز على الإنسان باعتباره أداة التنمية وغايتها في نفس الوقت مع الأخذ في الاعتبار المتطلبات الإنسانية والبشرية والاجتماعية للمواطنين وما يتطلب قيام الدولة بتوفير لهم خدمات عامة متكاملة تحقق لهم ولأسرهم الأمن والصحة والعيش الكريم...
مازلنا نجني الثمار الخبيثة من تدرج غير ذوي الكفاءات في بعض المناصب القيادية فالوضع الاقتصادي الصعب الذى نحن فيه سببه الرئيسي الواسطة والمحسوبية في التدرج للمناصب في غالبية قطاعات الدولة فلقد مضى أكثر من عقدين من الزمان ومازال القطاع الحكومي المتحكم في كل مفاصل الدولة يديره مجموعة من القيادات الغير مؤهله وليس الكفاءات وعندما يدير الشخص غير المناسب أي قطاع أو منظومة فإنه يُحَارِبْ ويقتل الكفاءات حتى لا يظهر أحد بجواره يخطف منه الاضواء فيحاربه بالتهميش تارة والعقاب تارة أخرى وفى نهاية المطاف بالفصل في أغلب الأحيان...
ومن خلال خبرتنا وفهمنا بأن الوضع الاقتصادي لأي بلد بأن أهم أسباب الفساد وفشل النظام الاقتصادي هو عدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب حيث أن سياسة وضع الشخص المناسب في المكان المناسب تعني انتقاء وتصنيف الأفراد وفق أسس علمية ومعايير ومحددات ومواصفات معدة مسبقاً للأشخاص المتقدمين لشغل المناصب او المهن او الوظائف او الاعمال المختلفة وصولاً الى الشخص المناسب في المكان المناسب الذي يتناسب ومؤهلاته الشخصية وقدراته العقلية...اذ ان نجاح أي دولة او حكومة بشكل عام ونجاح أي مؤسسة او منظمة بشكل خاص يعتمد على مدى كفاءة منتسبي هذه المؤسسات فكلما كان انتقاء الافراد العاملين مدروساً بعناية ودقة وعلى وفق معايير مسبقة معترف بها دولياً او وطنياً ازداد نجاح تلك المؤسسات...
استمرار حكوماتنا بعدم انتهاج سياسة وضع الشخص المناسب في المكان المناسب بصورة سليمة قد نتج عنه ابعاد وآثار اقتصادية وخيمة على اقتصاد بلادنا ومن أهم تلك الأبعاد يمكن اجمالها بالآتي:
- شيوع ظاهرة الفساد المالي والاداري وما لها من آثار في تهشم الاقتصاد ونخره من الداخلخسارة في رأس المال البشري بسبب عدم وجود استثمار بشكل صحيح للطاقات البشرية وتنميتها وتوظيفها لخدمة الانسان والمجتمع فكم من مدير فاشل وطبيب فاشل ومهندس فاشل لأنهم اصلاً لم يكونوا مؤهلين مهنياً من حيث الاستعداد لهذا النمط من التأهيل...
- خسارة في الناتج المحلي الاجمالي حيث ان مستوى الانتاج للأشخاص غير المؤهلين لا يتناسب مع ما تم توظيفه من امكانات مادية ومعنوية التي صرفت عليهم اثناء عملية التأهيل...
- تردي الادارة في مختلف جوانب الحياة الاقتصادية مما ينعكس سلبياً على الوضع الاقتصادي للبلد على حساب التقدم والرقي بسبب وضع الاشخاص غير المؤهلين لإدارة تلك المناصب...
- ضياع جهد ووقت الدولة فضلاً عن الاموال الطائلة التي قد تصرف في غير مكانها الصحيح في حالة عدم تمكنها من وضع الشخص المناسب في المكان المناسب وبالتالي تأخر وتلكؤ النمو في اقتصاد بلادنا...
- اغراق البلد في الديون (وهذا حالنا لا يخفى على أحد) فضلاً عن الفوائد المترتبة عليها بسبب عدم وجود الاشخاص المؤهلين في تقدير الحاجة الى الدين والى اين يتم توظيف تلك الديون...
وفي هذا الصدد أتوجه الى رئيس الحكومة الرئيس عمر الرزاز الى ضرورة إتباع سياسة المصلحة العامة والكفاءة في تولى المناصب الإدارية وغيرها وايجاد آليه خاصة غير الحالية المتبعة من خلال اللجنة الوزارية في اختيار المناصب العليا بعيداً عن الكفاءة والجدارة والأهلية وتدخل الوزراء المعنيين ( العبثيين ) بتعيين محاسيبهم وهو ما حصل مؤخرا والاتيان بالشخص المناسب في المكان الغير مناسب وتذهب بمصداقية الحكومة في هذا الشأن وهذا قمة الفساد الاداري ، فمن الطبيعي أن يكون ولاء وإيمان هذا الشخص لا يصب في مصلحة الجهة التي سيرأسها وإنما في مصلحة الوزير ( العبثي ) ولي نعمته ، كما نعرف جميعا بأن البحوث والدراسات تؤكد بأن القيادات لها دوراً في تفعيل النظام والعمل بفاعلية وتحقيق الإنجازات كما وكيفاً وكذلك بإمكانها إعاقة العمل وتعطيله وإفساده وتجاوزه تحت مجموعة من المبررات والاعتبارات التي تؤدي إلى الانحراف عن الهدف وخلق بيروقراطية عقيمة وبالتالي توصل مؤسساتنا إلى الشلل والانهيار...
الولايات المتحدة الامريكية وبعد نهاية الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي كانت تملك جاسوسا روسيا يعمل مستشارا للرئيس الروسي في ذلك الوقت وان المثير في الدهشة ان هذا الرجل لم يقتل رجلا روسيا واحداً وكان من اكثر السياسيين السوفيات تفانيا واخلاصا في العمل والجميعتفاجا عندما تم كشف ان هذا الرجلهو جاسوس للمخابرات الامريكيةولكن لم يجدوا اي شيء يدينه ...وعندما سألوه عن اهميته للمخابراتالامريكية قال ان عمله كان يقوم علىأساسوضع الرجل المناسب فيالمكان الغير مناسب فهو كان يأتيبالمهندس الزراعي ويضعه فيوزارة المالية وكان يأتي بالطبيبويضعه في وزارة الصناعة!!! وهذاالشيء ساعد كثيرا في تفتت واضعافالاتحاد السوفياتي لان المهندس لايفقه شيئا بالطب والمحاسب لا يفهمشيئا بالصناعة وهذا الشيء يؤدي الىالقضاء على اي بادرة للبناء اوالتقدم...
نحن كسرنا هذه القاعدة بالجاسوس الروتيني والواسطة وتبادل المصالح القاتلة للكفاءات وحلقنا عاليا بين دول العالم الثالث وقمنا بوضع نظرية الرجل غير المناسب في المكان المناسب وهو ما أقدمت عليه حكومة الرزاز العتيدة مؤخرا ...
يجب أن نفيق ونفهم بأن دولا كثيرة في هذا العالم الرحب في الغرب وشرق اسيا وماليزيا تحديدا قد وصلوا إلى أعلى مستوى اقتصادي مبهر فأصبح يتطلع للنظر للدول الأخرى لكي يجعلها سوق كبير لمنتجاته بكافة أنواعها، نحن نزيد الصراعات الداخلية اشتعالا بأفكارنا البالية والقديمة ولا ننظر أبدا للأمام... سوء الإدارة يؤدى بالتأكيد إلى استنزاف الموارد ولو كانت كثيرة، وكفاءة وقوة الإدارة يؤدى بالفعل إلى زيادة الموارد ولو كانت قليلة.... الروتين والبيروقراطية آفات يجب على المسؤولين القضاء عليها فالتقدم يحتاج إلى طريق ممهد مفروش بالديمقراطية لكي نصل بقطاعات الدولة إلى كفاءة وقوة اقتصاديات دول أوروبا وشرق أسيا...
باحث ومخطط استراتيجي
arajoub@aol.com