"عمون" ترصد بالكلمة والصورة اسرار المتسولين ..
12-05-2007 03:00 AM
*معاقة مبتورة الاصابع يوصلها والدها بسيارته الفارهة
*يستخدمون ال"بودي جارد" وقت مداهمة اوكارهم
*يستخدمون الموبايلات في تحريك افراد العصابة
*مدير برنامج مكافحة التسول : ضبط حساب بنكي لمتسول وصل الى 45 الف دينارعمون - خلود الجاعوني
عالم المتسولين مليء بالاسرار والخفايا والمفاجات …وعندما قررت سبر غور هذا العالم بقدر ما استطيع.. وان اسجل بالكلمة والصورة فلا اريد ان تنزلق حروفي بسرعة كالزئبق بل اريدها ان تؤثر وتسجل غاية وهدف من وراءهذا التحقيق الصحفي.
عندما قررت بدء الجولة انا وزميلي المصور ركبنا بسيارة سرفيس وتوجهنا الى سقف السيل ..كنت انا متخفية حتى لا يكتشف امري ،واتفقنا في خطتنا ان تكون مسافة معقولة بيني وبين المصورحتى يتمكن من التقاط الصور …ترجلنا واخدنا ندخل من زقاق الى زقاق لم تكن لنا وجهة معينة اردت الاستكشاف والدخول الى عالم المتسولين بقدر الامكان ورصد خباياهم .......كان الوقت عز الظهر ومشينا وسط الزحام.... ..وجلست بجانب متسولة طاعنة بالسن ،واخدت اتحدث معها واسألها كم تربح باليوم من مهنة التسول لكنها بصراحة ارتابت بامري وقالت لي انها لا تتسول وصرخت ( مالك ومالي ) ابتعدت عنها وعدت بعد قليل ووجدتها تستجدي الناس وعندما رأتني مرة اخرى اختفت من المكان .
كانت نيتي ان اصل الى بعض اوكار المتسولين ولكن صراحة شعرت بخوف ولكن مع ذلك استطعت الوصول الى قصص بعضهم من خلال احاديثي معهم ،تحدثت مع ام واولادها فقالت لي ان العائلة كلها تمتهن التسول واصبحت عادة لهم وانهم يعيشون في غرفة واحدة ويصرفون ما يكسبونه بنفس اليوم.
واصلت جولتي..كانت عيوني تجوب الطرقات التي تكاد تبتلع الناس ولا تضيق بهم ..وارصفة الشوارع تختزن زواياها المترامية هنا وهناك ..حكايات وبين كل حكاية وحكاية قصة وبين كل قصة وقصة غصة، وللحقيقة توصلت الى قصص توجع القلب … نعم حكايات عجيبة لان بعضها تجاوز الواقع فها هي امرأة في العقد السادس من العمر تتسول رغما عنها وقلبها يفطر الما ودموعها تسبق كلامها …فتحت لي قلبها بعد ان مسحت دمعتها بثوبها المتسخ من غبار الحارة …قالت انها تنزل للشارع لان زوجها القاسي يرغمها على التسول بل انه لم يكتف بذلك فحين ترفض يوسعها ضربا مبرحا…وها هي اسرة اخرى مؤلفة من 13 فردا امتهن الوالد التسول ووجدها مهنة مربحة ونشأ اطفاله في هذا الجو ، وكانت زوجته تساعده وكل صباح لا يذهب الاطفال الى المدارس بل ينتشرون حسب المنطقة التي يحددها الاب ويختار المناطق الراقية ويقوم ببناء براكية صغيرة في مكان ما ووقت الغداء يشترون الوجبات السريعة ويرتاحون ثم يبدأوا جولة جديدة .
اما قصة الفتيات الثلاث فهي من القصص التي اثرت بي سلبيا …نعم كان والدهن قد تزوج بعد وفاة والدتهن وتركهن للعوز والفقر واصبحن يستخدمن عربة للتنقل والتسول لان رب الاسرة لا يهتم لامرهن …….والقصة التي اوجعتني اكثر هي قصة الفتاة مبتورة الاصابع وبالرغم انها تعاني من تشوه خلقي الا انها تعاني ايضا من الظلم الذي وقع عليها حيث شبت وكبرت في ظل والدها المستبد الذي يستغلها وزوجة والدها بعد طلاق امها ويضعها على كرسي ويعلق حقيبة حول رقبتها ليتسنى للناس القاء المال فيها لان اصابعها مبتورة وكان الناس يشفقن عليها خاصة عندما يصدر منها صوت مخنوق وكأنها تستغيث ، وعلمت ايضا ان شقيقها الذي كان يشفق عليها ويحبها قد مات وهو يتسول بعد ان دهسته سيارة ، اما الادهى من كل هذا فان ما عرفته ولكني في الحقيقة لم اشاهده بان والدها ينقلها بسيارته الفارهة ويختار الاماكن التي تعج بالناس .
وحكاية الكهل الذي تجاوز العقد الثامن من عمره غريبة لانه يشحد ( خاوة ) وغصب عن الناس ، وهناك عائلة قست على اطفالها وعرضتهم لاستغلال ضعاف النفوس اللذين في بعض الاحيان تمكنوا من استغلالهم لبيع الحبوب المخدرة او استغلالهم جنسيا وكان الاهل يحملونهم بواسطة بكب ويوزعوهم في مناطق مختلفة ..طبعا بعد ان خضعوا لدروس على كيفية الهروب بعد سماع الصفارة او بحركات معينة واشارات يتفقون عليها ووقت الشعور بالخطر يأتي الفزيعة ( البادي جارد ) لحماية جماعته والتصدي للخطر ومثل هؤلاء يقفون في اماكن لا تجلب الشبهة واحيانا تحت ظل شجرة وكأنه يتناول وجبة…وعلمت ايضا ان منهم من يدجج نفسه بالسلاح الابيض او الحجارة او الزجاجات الفارغة في حال الكبسية عليهم من قبل رجال الجهات المعنية وخاصة حين مداهمة اوكارهم .
وعلى عكس ما رأيت من قصص فقد اعجبني بائع فستق اقتربت منه وسألته عن مهنة التسول بعد ان كشفت له هويتي فقال انه فقير جدا ولكنه يرفض مهنة التسول وانه ربى اولاده وعلمهم من بيع الفستق …اما ام احمد فهي سيدة افترشت الارض وتبيع اشياء وقالت لي ان زوجها تخلى عنها وترك لها 7 اطفال ولانها تمقت التسول او امتهان مهنة لا تليق بها اثرت العمل الشريف …وانها في مرة نصحت احدى الشابات المتسولات وكانت قد امتهنت التسول وكان الرجال يحومون حولها لانها ضحية اسرة مفككة ولكن شاء القدر ان ينتشلها رجل محترم شريف تزوجها وخلصها من عالم التسول .
بعدها قررت الانتقال من المكان وفي جعبتي هذه القصص لتكون عبرة لاي انسان يفكر في امتهان التسول .. وقد صعدت بسرعة ودلفت الى حافلة للهروب من المكان .
وقبل ان انهي موضوعي التقيت مع السيد خالد الرواشدة مدير مركز استقبال المتسولين مدير برنامج مكافحة التسول بوزارة التنمية الاجتماعية الذي اكد لي بانهم يقومون بدراسات اجتماعية ونفسية للمتسولين كما انهم يخضعوا لبرامج تدريبية لتأهيلهم للعمل ولكن منهم اعتاد على التسول ولا يتجاوب معهم بسرعة ويفضل مهنة التسول على العمل الشريف ، كما اننا اكتشفنا ان عددا من المتسولين يحصلون على معونات نقدية ، واننا نقوم ايضا بتوفير فرص عمل للعديد منهم والاجراءات من قبلنا على قدم وساق لضمان توفير العمل لهم لنمكنهم من العيش الكريم .
وقال السيد الرواشدة انه قبل سنوات تم ضبط حساب بنكي لمتسول وكان اخر حساب له 45 الف دينار وكان يستخدم الشيكات وكل هذا من مهنة التسول وتمت احالته الى المحكمة وسجن لكنه الان لم يعد يتسول .
وختم مدير برنامج مكافحة التسول انه ضمن استراتيجية الوزارة حاليا لمعالجة ظاهرة التسول والتشرد من جذورها وباهتمام ومتابعة من الدكتور سليمان الطراونة وزير التنمية الاجتماعية فان صيف هذا العام الذي بدانا فيه سيشهد نقلة نوعية في مكافحة التسول حيث سنحافظ على الوجه الحضاري لبلدنا خاصة امام ضيوف الاردن والزوار والسياح ، ولذلك تم البدء بخطة اعتبارا من بداية هذا الشهر ولغاية اليوم السبت تم القاء القبض على 150 متسول ومتسولة ، ومن ابرز ملامح هذه الخطة فرض عقوبات رادعة بحق المتسولين المكررين وذويهم تتراوح من حبس 3 اشهر ولغاية 3 سنوات .
واضاف الرواشدة كما انه يتم انتزاع الاطفال والمتسولين المعاقين من الاسر التي تستغلهم في التسول وادخالهم الى مراكز الوزارة كل حسب فئته واعاقته ، وادخال كافة حالات المسنين المتسولين والمتشردين الى دور المسنين التي تشرف عليها الوزارة وكذلك انتزاع الاطفال اللذين يستغلونهم الاهل بالتسول ووضعهم بالحماية والرعاية في مؤسسات التنمية الاجتماعية لتوفير العناية لهم .