الصورُ والتربيةُ في مجلس النواب
أ.د. خليل الرفوع
05-02-2019 11:42 AM
ما عرضته النائبةُ أثناء مناقشة الميزانية في مجلس النواب من صور عن حالات القاعات الصفية وعن مآسي الواقع التربوي زاعمةً أنها في مدارسنا كانت مستفزة مستنفرةً ، وقد تبين أنها ليست في الأردن بل في زوايا من الوطن العربي ،وكانت المشاهد دالةً على مأساة تراجيدية لمعطيات التربية وحصادها ومآلاتها في كثير من الدول العربية ، وقد رأينا احتجاجاتٍ شديدةً من النواب يستنكرون فيه أن تكون هذه الصور ملتقطة في مدارسنا حتى استدعى ذلك أن تُهَـدَّدَ بالمثول أمام لجنة التحقيق في المجلس وكأن ذلك جريمة ، وقد اعتذرت النائبة بعد ذلك الضجيج بعذر لا ينبغي أن تسلك سبيله من قبلُ ، فالنائب هو نائب أمة ينبغي أن يتأكد ويوثق قبل النشر والحديث وأن تكون حجته داحضة ، ولكن الخطأ غير المقصود قُوْبِلَ بعنف قولي صاخب ، وما عُرِضَ مُنْكَرٌ مستنكر إن كان في الأردن أم في أية بقعة من هذه الأرض التي تسمى الوطن العربي ، ولكن تلك الصور ربما تكون باهتة شاحبة أمام ما يمكن لأولئك النواب من وجوب التحقق منه وفق ما هو واقعي يملأ القلوب أسى ، ومن ذلك:
تسربُ الطلبة من بعض المدارس وما يُقال عن انتشار مظاهر المخدرات تعاطيًا وبيعًا وشراءً ، وازدحام القاعات الصفية بأعداد تفوق مساحة المكان والمقاعد ، وعدم وجود مصادر التدفئة في كثير من القاعات الصفية التي يجلس فيها الطلبة ساعاتٍ طويلة ، والصفوف المجمعة ،وأوضاع الدورات الصحية وما يسمى بالمختبرات والملاعب ، وهل وقف مجلس الأمة نوابًا وأعيانًا على واقع المناهج التربوية التي لا زالت في عصر العولمة تدرس طلاب الخامس مكونات السلطات اليونانية والروسية بأسمائها المعجزة وأعداد عيون الدَّرَنات في البطاطا ! وهل سعى أولئك النواب للوقوف على أوضاع الطلبة الأيتام والمحتاجين ، وهل وجهت وزارة الأوقاف صناديقها المليونية لمساعدتهم ، وهل اطلعوا على الأوضاع المالية والاجتماعية للمعلمين الذين أصبحوا أمثلة تُضْرَبُ لقلة الدخل على الرغم من عظمة الهيبة والإنجاز ، فهل أعْطُوا حقوقَهم عل قدرِ عطائهم ، هل وقف مجلس الأمة على ما فعله رئيس الوزراء الحالي حينما جِيْءَ به وزيرا لقلب كل ما صنعه الوزيرُ الذي سبقه الدكتور محمد الذنيبات من هيبة للدولة من خلال إحقاق الحق وجعل التوجيهي أنموذجا لمن يستحق النجاح ، فأيهما قد أخطأ ، وكيف كانت المخرجات للجامعات بين الحالتين حتى لقد تحول همُّ وزراء التربية من التخطيط والاستشراف إلى كيفية إنجاح طلبة التوجيهي ليُرْضُوا قلوبَ أمهاتهم واحتجاجات آبائهم على حساب مكانة الدولة وسمعتها التعليمة وعلى حساب الطلبة الذين يستحقون النجاح الحقيقي أو التخصصات المناسبة .أليس الفصل الواحد للتوجيهي بدلَ الفصلين كان من قبلُ تجربةً فاشلة قد طُبِّقت منذ سنوات ولم تأت بخير ؟ فَـلِمَ هذا الإصرار على تدوير المُجَرَّبِ وكأن التوجيهي آلةً لا زالت غير مكتملة الصنع! ولماذا لا زالت محتويات التوجيهي العلمي تدور في فلك الحفظ والصم ، وهلْ قُرِرَتِ الأوراقُ النقاشيةُ السامية لتحفظَ صمًّا أم ليناقشها الطلبة ويدركوا مراميها، هل وقفت لجنتا المجلسين التربويتانِ على كيفية اختيار مديري التربيةِ والمدارس والموجهينَ التربويينَ ومساعدي المديرينَ والمستشارينَ واللجان المختلفة ، وهل يوجد أسس حقيقية لتقاعد الخبراء التربويين أم هي استرضاء حسب أهواء المتنفذين في القرار، أليس هذا كله يستحق النظر لإعادة الحق إلى موضعه ، نعم نسوِّغ للنواب ذلك الاحتجاجَ الارتجالي على صورٍ غير حقيقية ولكنَّ الاحتجاجَ الأهم هو أن يتحرك النوابُ إلى معلمي المدارس وطلابها لمعرفة الواقع وتصحيح انحرافاتٍ واجتهاداتٍ خاطئة ؛ لأن النهوض بالتربية هو النهضة الحقيقية للوطن فصورُ النائبة لم تُسِئْ للتربية، بل ينبغي أن تكون حجرةً أُلْقِـيَـتْ في مياه آسنةٍ قد تغير طعمها ولونها ورائحتها بفعل رؤية فردية ضيقة ، وأقولُ للنائبة اذهبي بعيدا عن مسؤولي التربية وصوِّرِي في مدارس بعيدةٍ عن قلوب المسؤولين ؛ ولعلك ستعرضين مشاهدَ أشدَّ قسوة مما أُرْسِلَ إليك وحينئذ سَيُسْقَطُ في أيدي مجلس التنفيعات وتنتصرين للوطن.