بات من الضروري إيجاد تعريف واضح للفساد والاتفاق عليه، لأن الكثير من المسؤولين، على ما يبدو، يعانون من تشتت في أذهانهم ونظرتهم للأمر.
بادئ ذي بدء، لا شك في أن أخذ الرشوة أو قبولها هو أحد أنواع الفساد، لكن يبدو أن هناك لبساً عند بعض المسؤولين الذين يخدعون أنفسهم باعتقادهم أن تقديم الرشوة ليس فسادا.
منذ زمن ليس بطويل استعمل مسؤولان رفيعان في الدولة المال العام لشراء ضمائر الناس عن طريق "المنح" النقدية أو الهدايا الثمينة، في مسعى منهم للتأثير على هؤلاء وكسب "ولائهم" وأهم من ذلك كله شراء سكوتهم عن قول الحقيقة.
وكما نعلم تمام العلم، فقد تطلب ذلك إقصاء هؤلاء المسؤولين عن منصبيهما لوقف ومحاربة تلك الممارسات.
يجد بعض السياسيين من ذوي الشعبية المنحدرة أو المثيرين للجدل في الرشاوى وسيلة لجذب ذوي النفوس المريضة وجعلهم تابعين لهم ومدافعين عنهم، متناسين أو متجاهلين أن دوام الحال من المحال، فبمجرد انقطاع المال يتوقف "الولاء".
علينا محاربة الفساد بأنواعه بشتى الطرق. وإن كان لدى الدولة فائض من المال لتبعثره بطريقة أو بأخرى دون أي حساب، فالأجدى إنفاقه لتحسين الأحوال المعيشية للأقل حظا بدلا من شراء ضمائر من لا ضمائر لهم أصلا.
أما هؤلاء المسؤولون الذين يستغلون مناصبهم وسلطتهم لتمرير مشاريع وعطاءات لأقربائهم، فهذا عين الفساد.
ليس مهما أن يرسو العطاء على شركة مسجلة في الخارج ولا يهم من يظهر اسمه على الأوراق الرسمية، ما دامت، على سبيل المثال، زوجة المسؤول هي الشريك الخفي. وغني عن القول انه ما دامت هناك استفادة مباشرة للعائلة فهذا علم من أعلام الفاسد.
وهل من الضروري الخوض بما يعنيه استخدام سيارة مسؤول لتهريب مخدرات أو نقود مزورة، ناهيك عن المحسوبية، الواسطة والتطبيق غير العادل للقانون؟
يبدو أن مسؤولينا بحاجة للتذكير أن مناصبهم العامة لا تعني فقط الشرف والمجد والصيت والتمتع بالامتيازات، فالوظيفة العامة تتطلب عملا جادا والقيام بواجبات جمة وتحمل مسؤوليات ليست سهلة، كل ذلك بإخلاص ونزاهة ومصداقية. لكن الأهم هنا هو ترسيخ المساءلة التي تمثل خطوة مهمة على طريق الإصلاح ومحاربة الفساد.
دعونا نبدأ بالمساءلة على أمل أن يتبعها الباقي.
***النسخة العربية للمقال خاصة ب "عمون"