واجهنا في الأيام القليلة الماضية مجموعة مرعبة من الجرائم التي ارتكبها أفراد من نخبة المجتمع، 16 أستاذا جامعيا يفصلون من الجامعة الأردنية لأسباب "مسلكية"، وضبط 140 كيلوغرام من الحشيشة في سيارة أحد النواب، ودكتور صيدلاني يقتل أفراد عائلته ثم ينتحر.
نشرت هذه الأخبار في أسبوع واحد، وربما يجد المتتبع عددا آخر كبيرا من هذه الجرائم، وهي جرائم تهز المجتمع وتروعه، وعلى قدر من الضخامة تبعث على الخوف والقلق، الخوف من مصير المجتمع ومؤسساته عندما يقودها "مجرمون" والقلق على مستقبل النخب عندما يفقد المجتمع ثقته بها. ولكنا للأسف الشديد لا نملك (على الأقل في حدود الرؤية الممكنة) فرصة للخلاص من النخب نهائيا، أي أن نتحول إلى مجتمع يخلو من الطبقية، يمكن لأي كان أن يؤدي فيه دورا قياديا، هذا بالرغم من أن الدستور الأردني لا يضع قيودا على تعيين الوزراء واختيار النواب والأعيان سوى المواطنة والعمر، أي أن أي مواطن يبلغ الثلاثين أو الأربعين من عمره مؤهل لأن يكون وزيرا أو رئيس وزراء أو عضوا في مجلسي النواب أو الأعيان.
النخب الأردنية تعاني من الركود والانغلاق، والطبقات الوسطى تواجه تحديات اجتماعية واقتصادية تدفع بها إلى التهميش والعجز، ولكن الإصلاح ممكن وغير مكلف، وأخشى من القول إن ثمة رغبة بتشكل هذه الحالة المرعبة أو ثمة غفلة عنها. المطلوب، فقط هو إدارة سياسية وتعليمية واقتصادية واجتماعية وثقافية تأخذ بالاعتبار تشكلات النخب وفرص وأحلام الطبقات والأجيال، ولا يحتاج الأمر أبدا إلى نفقات إضافية ولا موارد جديدة، ولا يتعارض مع الخصخصة (لماذا تحولت الخصخصة إلى ما يشبه العودة إلى الإقطاع الفظيع).
عندما يجد الطلاب في المدارس الحكومية فرصة لتعليم جيد ويحصلون على رصيد كافٍ من المشاركة والإبداع والنمو السليم والإيجابي، وهذا أمر ممكن تطبيقه بنجاح كبير في وزارة التربية والتعليم، ولا يحتاج منها سوى إرادة ورغبة صادقة، فالتراجع الكبير في مستوى التعليم الرسمي لا يمكن تبريره أو قبوله، وإن لم يكن مؤامرة على المجتمع والطبقات الوسطى والفقيرة فهو في واقع الحال أكثر شرا من ذلك بكثير.
إصلاح التعليم الرسمي يعني الكثير جدا على مستوى الإصلاح الشامل، لأنه ببساطة يمنح فرصا متساوية لجميع المواطنين في سن المرحلة التعليمية ليحصلوا على المؤهلات ويقدروا على التنافس العادل، وهذا يوفر سلاما اجتماعيا، ويمنع الاحتقان، ويقلل بنسبة كبيرة من الضغوط على الطبقة الوسطى التي تكاد تنفق جميع مداخيلها على تعليم أبنائها.
يستطيع وزير التربية والتعليم أن ينقذ البلد والمجتمع ويؤمن مستقبلا جميلا للأجيال، بل ويؤسس لإصلاح شامل!
ibrahim.gharaibeh@alghad.jo