لا تنبشوا قبر محمود درويش
ياسر ابوهلاله
13-08-2009 08:14 AM
درويش مثل أي شاعر أو فنان ليس فوق النقد، وبموازاة ذلك فإن إدخاله في سجال سياسي يفقده الحصانة الأدبية
أبسط قيم الدين أنه يوجد مقدس، منزه، معظم.. فلا تتلفظ باسم الخالق إلا مشفوعا بالجلالة. في المقابل أبسط قيم العلمانية أنها تنفي كل ذلك، فكل شيء نسبي تحت مطرقة النقد والشك.
في الفزعة للشاعر الراحل محمود درويش استعار المدافعون عنه لأسباب أدبية أو لأغراض حزبية نصرة لفتح ونكاية بحماس الخطاب الديني وأسبغوا عليه صيغ التفخيم والجلالة التي تمنع المس بـ"مقامه".
لا أعرف ما قاله مذيع قناة الأقصى بحق درويش، ومن الممكن أن يقول المتدينون بحقه أكثر من ذلك، لكن أعرف أن قناة القدس المقربة من حماس بثت تقريرا احتفاليا به من عمان. فالإسلاميون عموما وحماس بخاصة ليس لديهم موقف متماسك مضاد من درويش أو من الشعر.
في المقابل، توجد معايير للمؤمنين بالدين تنطبق على كل ما يتلفظ به شعرا أم نثرا. فكما أن من تجرأ على مقام درويش عد كافرا به وبالشعر فإن من يتجرأ على مقام الله يعد كافرا به.
لا يمر عام من دون أن تثور ضجة على أديب بسبب تجرؤه على مقدسات الدين، وفي حياة درويش أثيرت أزمة في بيروت على قصيدته "يوسف" التي غناها مارسيل خليفة. ومن قبل أثيرت على قصيدته "مديح الظل العالي" في الثمانينيات عواصف لم تهدأ.
قبل ذلك كان الإسلاميون يشنعون على درويش عضويته في الحزب الشيوعي الإسرائيلي وفي
كتاب عبدالله عزام "السرطان الأحمر" هجوم شديد عليه.
نسي الإسلاميون تلك الاشتباكات، وفي الدستور كتب الزميل ياسر زعاترة وهو إسلامي مناصر لحماس رثاءً لدرويش مشيدا بشاعريته ووطنيته، ليس في ذلك منة، وإنما إشارة إلى أن رحيل درويش أخرجه من دائرة السجال السياسي والفقهي ليحتل المكانة الرمزية التي يستحقها قامة من قامات فلسطين.
درويش مثل أي شاعر أو فنان ليس فوق النقد، وبموازاة ذلك فإن إدخاله في سجال سياسي يفقده الحصانة الأدبية، إن كان ثمة حصانة أدبية.
ألوم مذيع تلفزيون الأقصى في هجومه على درويش، إن صح، وألوم تصيد تلك الزلة وتضخيمها، فهي نبش لقبره في ذكراه. وكان حريا بالأقصى أن تعيد وتكرر قصائده، فليس مثل "عابرون في كلام عابر" يجسد حال غزة بعد العدوان".
"ايها المارون بين الكلمات العابرة
آن أن تنصرفوا
وتقيموا اينما شئتم ولكن لا تقيموا بيننا..
ولنا الدنيا هنا... والآخرة
فاخرجوا من ارضنا
من برنا.. من بحرنا
من قمحنا.. من ملحنا.. من جرحنا
من كل شيء، واخرجوا
من ذكريات الذاكرة
ايها المارون بين الكلمات العابرة!..
yaser.hilala@alghad.jo