يتساءل نواب وسياسيون وصحفيون عن ماهية الاجتماع الذي عقد في البحر الميت الاسبوع الماضي والذي ضم وزراء خارجية ست دول عربية هي الاردن ومصر والكويت والسعودية والإمارات والبحرين، حيث لم يصدر عن الاجتماع تفاصيل محددة حول المواضيع التي تمت مناقشتها او التوصيات التي خرج بها هذا الاجتماع والتي سيتم رفعها لرؤساء وملوك الدول المشاركة، واكتفى وزير الخارجية الاردني بالقول ان هذا الاجتماع كان تشاوريا وبدون جدول اعمال محدد.
لا حاجة للتنبؤ عما جرى في هذا اللقاء فالعنوان كان على الجدار , وبرأيي الشخصي فان الذين تساءلوا عن هذا الاجتماع لم يبحثوا عن الإجابة بقدر ما كانوا يعترضون على الحدث نفسه.
والحقيقة ان الهدف الرئيسي للاجتماع كان التحضير للمؤتمر المنوي عقده في وارسو- بولندا في شباط الجاري بدعوة من الولايات المتحدة والتي مهدت له زيارة وزير الخارجية الامريكي مايك بومبيو خلال جولته الاخيرة في الشرق الأوسط، حيث يناقش المؤتمر العديد من المسائل لكن يقف على رأسها مواجهة ايران وتشكيل تحالف شرق أوسطي لهذه الغاية.
وبشكل متصل بالاستراتيجية العربية لمواجهة ايران يعتقد انه تم التطرق خلال الاجتماع الى مستقبل سوريا وامكانية عودتها الى الجامعة العربية وفي هذا الإطار ينبغي التأكيد على ان هذا الملف لم يحسم بعد حيث طلبت الادارة الامريكية من الدول العربية التريث وعدم التسرع في تطبيع العلاقات مع النظام السوري دونما توفر رؤية واضحة لعملية الانتقال السياسي ، وهذا ما تم رصده بالفعل بعد زيارة وزير الخارجية الامريكي بومبيو الى المنطقة حيث تباطئت وتيرة الاندفاعة العربية تجاه سوريا بعدما تم افتتاح السفارة الاماراتية في دمشق ، حيث لا تطبيع مجاني مع النظام السوري.
ويمكن قراءة التوافق العربي الامريكي فيما يخص العلاقة مع سوريا من خلال انتاج شرط اخراج القوات الإيرانية من جميع الاراضي السورية الذي ستقدمه الدول العربية للنظام السوري كورقة مساومة لإعادة العلاقات الى طبيعتها ،كما تتشارك الدول العربية مع اسرائيل نفس النظرة حول وجود القوات الإيرانية في سوريا ووجوب اخراجها اضافة الى التعاون الأمني والاستخباري بين الدول العربية السنية واسرائيل لمواجهة النفوذ الايراني في كلا من العراق ولبنان واليمن .
اردنيا يمكن تفهم الحذر الاردني الشديد من الانخراط في نشاط اقتصادي كثيف مع سوريا بسبب الخوف من انتهاك العقوبات الامريكية المفروضة على ايران والتي تقوم الشركات الإيرانية بمحاولة الالتفاف عليها من خلال الشركات السورية ومن خلال استخدام الاراضي السورية لتهريب النفط والمنتجات الإيرانية . اما استراتيجيا فما زالت المخاوف الاردنية بشأن التواجد الآيراني في منطقة جنوب سوريا يساور المؤسسات الأمنية حيث تنشط حركة التشيع الإيرانية وشراء الاراضي حول المقامات المقدسة في سوريا اضافة الى تحويل المساجد الى حسينيات وسيطرة الموالين لإيران على البلديات والمجالس المحلية في الجنوب السوري .
وأخيرا لا أستطيع ان اتفهم هذا الانتقاد واحيانا الهجوم من قبل بعض النواب والكتاب والسياسين على سياسة الاردن الخارجية تجاه ملفات المنطقة ومنها ايران وعلاقتنا مع الولايات المتحدة وايضا مع بعض دول الخليج ، فسياستنا الخارجية هي ترجمة حقيقية لمصالحنا الاستراتيجية ، وينبغي الاعتراف ان هذه السياسة جنبتنا أزمات عديدة مرت بها المنطقة وحافظت على استقرار الاردن واثبتت نجاعتها ، ما جرى في البحر الميت احد أدوات هذه السياسة حيث التهديدات المشتركة على الامن القومي العربي واضحة وحيث المصالح العربية في المنطقة اوضح وحيث الدعوة الى تغيير سياستنا وتبديل حلفاءنا قفزة الى المجهول.