إدوارد سعيد إستعارة القتيل المكانية
عيسى أبو جودة
03-02-2019 01:53 AM
رأيت أنا الغريب رجل يرفع إحدى عشرة نافذة على الشارع العام ومحال تجارية كثيرة عارية المقام في انتظار لاجئيها الجدد، ويجد في غبطة المكان حيزا للوقوف على أخطاء شبه مستحيلة في عمد السقف المنحاز لحديقة القصر الخلفية، حتى إذا ما عاد بواب العمارة من استراحة قصيرة، أخذ الرجل بذراع البواب الخشبية، قائلا : "لو أحسنت الوقوف بالجسر الخشبي لما سقطت نافذة العودة العالية." تلكأ البواب هنيهة وكأني به يقف بالهوة الهوية ولأول مرة، حتى إذا ما نجح في تخليص ذراعه الخشبية من قبضة الاحتمال اللغوي اللامتدارك، وقف ليقول: " إن الحكمة المأثورة تقول، عندما تسقط الدول الكبرى تتساوى الحاجة، حاجة الثري القريب والنبيل البعيد إلى رافعة من حديد. "
رأيت أنا الغريب رجل يحرص على قياس المسافة ما بين ضفة ناجزة وأخرى ناقصة، كان كلما تعثر عاد من حيث انتهى ليعيد القراءة. حتى إذا ما نزل المساء، سمعته يقول :" أن تكتب يعني أن تأتي، ليس قبل أن يتقن أحدنا مهارة السير المتأني على حبل غسيل. " رأيت أنا الغريب رجل وفي حرص لذيذ لا زال يرأب المسافة ما بين شقي الربوة الاحتمال برصد مواطن الخلل المتأتى عن سوء فهم ممعن بالابتذال. حتى إذا ما انتهى، سمعته يقول : "أن تكتب يعني أن تعود، حتى الآن من ذهب في أثر عربات الفحم الرعوية لم يعد للآن، وإذا ما عاد أحدهم جلس ليحدثني عن خراف الرعاة الوطنية."
رأيت أنا الغريب رجل يذرع حقل من الألغام، فما زال في جيئة وذهاب طمعا في ثني استعارة ما ثمينة دقيقة لا تخضع لأي إقرار مجازي، استعارة تعد بالحقيقة وتخونها في ذات الوقت، إستعارة خفيفة شفيفة غير قابلة للمعاينة، إستعارة غير قابلة للاحتواء وقد اعتلت صفة وحدوية شاملة، حتى إذا ما استوى يقلبها وقد أحكم قبضته على ظلها الحجري، قال : " أن أبقى حيا حتى الآن يعني أني خائن بالضرورة، أنا منذ الآن في حل من هكذا استثناء."
رأيت أنا الغريب رجل في السادسة والخمسين ما فتأ يطالع مسوغات الوجود المستسلم لمعطيات العنت النبوية واحتمالات نفيها في لغة كونية لا تصلح في غيرها، في السادسة والخمسين ما برح يدفع العربة وحيدا، حتى إذا ما أعياه عنت الحكاية اللفظي وشرك الخطاب المجازي، وجد في حجر صقيل، راح يرميه من فوق أسوار الجليل واحدة من أبجديات الفقد النبيل، ويستشهد قائلا :" كم كان المسدس فينا على حق، كان يذهب بعيدا، وكنا نتراجع كثيرا..."