هذا ما فعله وزير الثقافة والشباب .. !
حسين الرواشدة
03-02-2019 12:04 AM
حين كتبت في هذه الزاوية قبل نحو ثلاثة شهور «ما اثقل الحقيبتين يا صديقي»لم يخطر في بالي ابدا ان احبط الوزير، الدكتور محمد ابو رمان، الذي تم تكليفه آنذاك بوزارتي الشباب والثقافة، على العكس من ذلك تماما،فانا اعرف ما لدى الرجل من رغبة وقدرة على ادارة هذا الملف الكبير الذي يتعلق بأهم المجالات الحيوية لنهضة بلدنا وتقدمه.
امس الاول، حظيت بالمشاركة في لقاء نظمته وزارة الشباب، شارك فيه عدد من اصحاب المبادرات الابداعية، اعترف انني لم اتفاجأ بما سمعته من هؤلاء الشباب المبدعين، فقد سبق ان كتبت عن عدد كبير من ابنائنا الذين حازوا على جوائز عالمية، واعرف غيرهم من الشباب الذين خرجوا عن سلطة «الخوف» واليأس والكسل، فابدعوا في كافة مجالات المعرفة، لكنني هذه المرة احسست بحالة من « الانتعاش» الروحي والفكري الممزوجة بالفخر والاعتزاز، قلت في نفسي : لقد وضعنا اقدامنا على بداية الطريق حين اتحنا لهؤلاء الشباب ان يجتمعوا ويتعارفوا فيما بينهم، وحين انصتنا اليهم وقلنا لهم :اهلا ومرحبا ثم شكرا.
كل ما فعله الدكتور ابو رمان انه اكتشف هؤلاء المبدعين، وفتح لهم ابواب الوزاتين ليدخلوا ويعلنوا عن مبادراتهم، ليس هذا فقط، وانما فتح لهؤلاء الشباب الذين كاد ان يدركهم اليأس من قلة الاهتمام بهم وتقديرهم، قلبه ومد لهم يديه، كما انه اصبح جزءا منهم ومن مبادراتهم، فأعاد بذلك الثقة لهم بما اختاروه وبما يفكرون به، ووعدهم بان يقدم لهم ما لديه من دعم وامكانيات لكي يستمروا ويؤثروا بمجتمعهم.
اتمنى لو استطيع ان استعرض كل هذه المبادرات التي اطلقها الشباب بالاعتماد على انفسهم، وبأقل ما يمكن من امكانيات ذاتية، سواء تعلقت بالقراءة او التعليم او الفنون المختلفة او غيرها من مجالات الثقافة والابداع وخدمة المجتمع، لكن يكفي (لضيق المساحة) ان اشير الى نموذجين : احدهما لطالبة مبدعة حقا لم تتجاوز الخامسة عشر عاما من عمرها، جاءت من قرية نائية في محافظة الطفيلة ( العين البيضا)، حيث قامت بتأسيس مبادرة لتعليم اللغات العربية والانجليزية والفرنسية (هي تتقن هذه اللغات الثلاثة) لتعليم الاطفال والشباب هناك، والنموذج الاخر لفتاة اسست بالتعاون مع بعض المتطوعين الشباب مدرسة متنقلة «كرفان « لتعليم الاطفال الذين يتسربون من المدارس في كافة المحافظات مهارات القراءة والحياة ايضا.
فيما مضى كان لدينا وجه استحوذ على الصورة، حتى كدنا نصدق ان فئة كبيرة من شبابنا اختطفهم التطرف او اليأس، وانسحبوا من المجتمع بعد ان احتجوا عليه، بل وكادوا ان ينتقموا منه ومن انفسهم، اما الان فمن واجبنا ان نلتفت للوجه الاخر الذي يشق طريقه بنفسه للتنوير وخدمة مجتمعه والتأثير الايجابي فيه، هذا الوجه الذي اعتقد انه يمثل حلم شبابنا الحقيقي، ما زال صامدا ويحاول ان يغير، رغم اننا قصرنا في الوصول اليه واكتشافه، ناهيك عن تشجيعه ودعمه، الى ان جاءت لحظة الاعتراف به الان، على امل ان نتجاوزها نحو تكريمه ورد التحية اليه باحسن منها.
اعرف، بالطبع، ان الطريق ما زال طويلا امام اعادة الروح للثقافة والابداع في بلدنا، وامام ابراز الوجه الحقيقي والمعدن الاصيل لشبابنا الاكفاء، سواء من خلال تنظيم مبادراتهم او التشبيك بينهم ودعمهم معنويا وماديا ( دعك الان من حل مشكلاتهم المتعلقة بالعمل والمشاركة السياسية ..الخ)، لكنني - كما قلت سلفا - اشعر بالسعادة لان ثمة من بادر من الجهات الرسمية لاستقبال ذبذبات ارسالهم ومبادراتهم، وطمأنهم على ابداعاتهم وسلامة مسارهم، ولهذا لدي امل كبير باننا بدأنا نمتلك الرؤية وحددنا الهدف، وبان ما فعله بالنيابة عنا الدكتور ابو رمان هو عين الصواب، ويستحق عليه الشكر والاحترام.
الدستور