شخصياً، شهدت منذ سنوات بعيدة معاناة المسافرين عبر الطريق الصحراوي الذي كان يئن تحت وطأة العجلات المجنونة للشاحنات والصهاريج القادمة من وإلى العقبة، كانت حقبة منتصف الثمانينيات الماضية مليئة بالمشاهد التراجيدية لقوافل الشاحنات المحملّة بمختلف البضائع الى السوق الأردني والعراقي الذي كان يبتلع كل شيء، ويكفي أن ترى حاملات الدبابات والسيارات والصناديق المعسكرة تمخر عباب الطريق المتآكل جراء الأمطار والأوزان الثقيلة، وكل ذلك كان مسكوتا عنه لتدفق مئات الملايين من الدنانير، فيما حادث واحد قبل جسر المطار يغلق الطريق حتى القطرانة.
اليوم لا يزال الخطر محدقا بغالبية المسافرين عبر أرض الجنوب وليس لهم بدّ من ركوب الخطر على الطريق الذي لا تعرف له أول من آخر ولا متى يبدأ الجزء المنجز من الجزء المتهور، فجأة تخرج المركبات والحافلات والشاحنات من مسرب منفصل لتدخل الى مسرب متصل ومشترك مع الاتجاه المقابل، وليس هناك الكثير من الإشارات التحذيرية أو التنبيهية،عداك عن الحواجز الإسمنتية التي تتربع وسط الطريق، وتشكل ألغاما جامدة في بهيم الليل، حتى أصبح السير في ذلك الطريق كالسير في أدغال فيتنام،القنابل مزروعة في كل مكان، وأنت وحظك واحترافك، و لطف الله تعالى.
هنا لا أريد أن أغمط حق وزارة الأشغال في عزمها على تنفيذ الطريق، ولكن هناك كسلاً بليداص في العمل الذي أًصبح وباءً في غالبية قطاعاتنا، الشركات الرئيسة التي حازت على عطاءات تنفيذ الطريق الصحراوي أحالت عطاءات فرعية على شركات أخرى، وهذا الحال في كل عطاءات الحكومة، وكل مرحلة لا تنجز إلا إذا استلمت الشركة مستحقاتها المالية، فيما المواطن يدفع الثمن من حياته وسلامته ووقته وأعصابه، ولكن يبدو أن المثل الشعبي محفوظ جيدا لدى المتعهدين:» الصياد يتفلى والعصفور يتقلى».
عشرات الحوادث على الطريق حصدت عشرات الأرواح ومئات المصابين، ولا أحد يهتم لأولويات السلامة العامة، وكان الأجدى أن يكون هناك طريق خدمة على جانبي الطريق الرئيس المشغول فيه، وتمديد أعمدة إضاءة ليلية عبر الطاقة الشمسية وزرع الطريق باللوحات التحذيرية، والتخلص من المطبات الفجائية، ومراقبة سائقي الشاحنات الذين يتسابقون كأنهم يقودون سيارات «كارتغ»، لقد شاهدت بعضهم وكأنهم بلا وعي للطريق، يزاحمون السيارات الصغيرة في مساحة ثلاثة أمتار، وهم يتسببون بتحضيرات نهائية للحوادث الكارثية، ولا أحد يهتم.
لو ذهب المسؤولون الى «الجفر الأزرق» الذي بناه الإئتلاف الإنجليزي الكوري على ما أعتقد لحساب الناقلات الى العراق قبيل نهاية الحرب العراقية الإيرانية لفهموا كيف يكون الإنجاز الحقيقي، فهي لا تزال كأنها افتتحت اليوم،حيث يستخدم لناقلات النفط والمحروقات الخطرة حتى الآن، ولهذا نوجه التحذير الى المواطنين من طريق الموت المليء بالجلطات المفاجئة.
إن الجنوب المنكوب بالكثير من الحوادث يستحق أن تنظر له الحكومة بعين الشفقة والرأفة، ما داموا يعيشون على هامش استراتيجيات التنمية، وذلك الطريق هو سكة التجارة الى عمان والمدن عبر بحر العقبة، وعليه يجب مراقبة مواصفات الخلطات الإسفلتية أيضا حتى لا نقع في أخطاء الشركات التي مسحت الأرض بشوكولاتة الخلطة الإسفلتية ثم ذابت مع أول لحسة شتائية أو أصابها الجدري بالحُفر والتهبيط كما هو حال غالبية شوارعنا.
ROYAL430@HOTMAIL.COM
الرأي