للمرة الثالثة على التوالي يظهر مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية في قائمة أكثر المراكز أهمية على مستوى العالم، والأول على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حسب مؤشر جامعة بنسلفانيا لتصنيف مراكز الدراسات.
يرتبط مركز الدراسات الاستراتيجية في أذهان الأردنيين باستطلاعات الرأي الدورية التي يجريها حول شعبية الحكومات ومنسوب الثقة بالمؤسسات. وهذه بلا شك وظيفة مهمة يضطلع بها المركز تساعد أصحاب القرار على إعداد الخطط والبرامج بما ينسجم مع أولويات المواطنين، وتشخيص مواطن الضعف في الأداء الحكومي وتصويبها.
لكن المركز يلعب دورا أكبر من ذلك والمتمثل بإعداد خطط عمل استراتيجية ودراسات متخصصة في مختلف القطاعات، وتنظيم مؤتمرات عربية ودولية، وإدارة حوارات وطنية حول قضايا حيوية.
وعلى مدار سنوات عمله الطويلة، نجح المركز في كسب مصداقية داخلية وخارجية أصبحت في وقتنا هذا عملة صعبة، فالعشرات من مراكز الدراسات في المنطقة والعالم، جنحت نحو الاستقطاب السياسي والانحياز لدول وحكومات وتيارات. ولعب التمويل والدعم المالي دورا كبيرا في تكريس هذه الظاهرة، ما أضر بسمعتها.
مركز الدراسات في الجامعة الأردنية، لم يسقط في هذا الفخ، وتمسك بالقواعد المهنية والأخلاقية التي يجب أن تحكم عمل مراكز الدراسات، لتحافظ على مصداقيتها وحيادها كشرط أساسي للبحث العلمي. وحتى على مستوى استطلاعات الرأي العام طور المركز آلية راسخة تجعل من المستحيل التلاعب بنتائجها. ومن يدقق في عمل المركز بهذا الخصوص يلحظ مستوى الاستقلالية الذي بلغه المركز في عرض توجهات الرأي العام الأردني حيال العديد من القضايا الداخلية والخارجية. فالمركز لم يتردد في آخر استطلاع للرأي حول حكومة الرزاز من إعلان النتيجة التي تفيد بأن الحكومة سجلت أدنى مستوى من الثقة مقارنة بالحكومات السابقة ومنذ أن بدا المركز بإجراء استطلاعات الرأي قبل ثلاثة عقود تقريبا.
مشكلة المركز وسواه من مراكز الدراسات والبحث في الأردن أنها لا تحظى بالتقدير اللازم من طرف الحكومات وأصحاب القرار. قبيل احتجاجات الصيف الماضي التي أدت إلى استقالة حكومة هاني الملقي، نظم المركز مؤتمرا في منطقة البحر الميت بعنوان “اجندة الأردن” شارك فيه خبراء من القطاعين العام والخاص ووزراء من الحكومة، انتهى إلى بلورة تصور متكامل للمرحلة، ووضع يده على المخاطر المترتبة للحالة القائمة، لكن أحدا لم يكترث بمخرجات المؤتمر، وكان ما كان. كما أصدر المركز دراسة قيمة جدا عن قانون ضريبة الدخل أحدثت ضجة واسعة لشجاعتها في تشخيص الوضع، وذهبت هي الأخرى مع رياح التغيير الحكومي كورقته المهمة عن العلاقة مع صندوق النقد الدولي.
المجلس الاقتصادي الاجتماعي، وهو مؤسسة حكومية، ومنتدى الاستراتيجيات الأردني “قطاع خاص”، قدما مساهمات بحثية في نفس المواضيع أيضا لم تلق اهتماما من الحكومات، رغم إلحاح القائمين عليها.
لا تنقصنا القدرات والخبرات المطلوبة لإعداد البرامج والخطط واستشراف الحلول لمشاكلنا، ما ينقصنا بالفعل حكومات ومسؤولين يحترمون قدرات الأردنيين.
مصيبتنا الأبدية أن الواحد منا عندما يتولى منصبا وزاريا أو موقعا رسميا متقدما يظن نفسه عالما في شؤون الكون والحياة، ولا يسمع إلا صدى صوته.
الغد