إن الحديث عن السلطة وعلاقتها برموز الدين علاقة قديمة وليست محصورة في أمة من الأمم ولا شعب من الشعوب ولا ثقافة من الثقافات. فالدين فطرة بشرية وله رموز تمثله من الأحبار والرهبان والمشايخ، والسلطة سلطة تحت أي عنوان كانت حيث يعمد رجل السلطة إلى اعتماد كل الأدوات التي تقوي سلطته وتضعف قوة منافسيه. ولعل أفضل ما يقوي سلطة السلطان الرموز الدينية التي إنْ صارت بيده صار نفوذه قويا" بدعم ديني يتولد من قناعات راسخة لا تتزعزع لدى جمهور الناس الذين يعيشون تحت سلطته. من هنا توجهت عناية السلاطين لاستقطاب الرموز الدينية وجعلها في صفه بل إن التاريخ الغربي يحدثنا أن الإمبراطورية الرومانية الوثنية رغم قوتها وبطشها قد وجد زعماؤها أن الانتماء للمسيحية يقوي سلطتهم ويساهم في إخضاء سكان المناطق الذين يدينون بالمسيحية.
وحين دخل نابليون مصر لبس العمامة حتى ظن بعضهم أنه أسلم !! وأثناء استعمار إيطاليا لليبيا استقطبوا عددا" من رموز الدين ليقفوا معهم ضد الثائر عمر المختار.
إن جولة في عالم الحكم في عالمنا العربي تؤكد حرص السلطات على التعامل مع الدين باستعراض واستقطاب للرموز وما حركة محمد بن عبد الوهاب عنا ببعيدة حيث تحالف الشيخ مع حركة آل سعود وتم إنشاء المملكة، الحال في الممالك والجمهوريات حيث تقرب السلطة في مصر شيخ الأزهر، وتقرب سلطة البعثيين في دمشق الشيخ كفتارو، ويقرب بعث بغداد التصوف ممثلا" بعزة إبراهيم ليكون نائبا" لرئيس الجمهورية، وفي الأردن عبر إيجاد دائرة إفتاء لمنع تسلل الشيوعيين والبعثيين والناصريين من القوات المسلحة، وفي المغرب عبر التسمي بأمير المؤمنين والدروس الحسنية الرمضانية.
وأثناء التقارب بين السلطة والرموز الدينية يرى الناس نماذج مختلفة من تلك الرموز فبعضهم يصل إلى درجة الإسفاف والقول العاري عن الصحة مما يرفضه الناسُ قبل الدين ومن ذلك قصائد المدح للسلطان وإيصاله إلى درجة ربما هو لا يريدها ! لقد قال أحد هؤلاء المتزلفين : إذا قال السلطان إن الخمر حلال فهي حلال !! وقال ثانٍ: من قال إن النبوة انقطعت وقد أرسل الله لنا ....( سلطانه ) !! لقد صارت بعض الرموز تحلل الحرام وتحرم الحلال وفقا" للإيعاز كما رأينا مؤخرا" في تونس في فتاوى مخالفة لصريح القرآن في توريث المرأة !! . وكما وقفت رموز دينية لصالح السلطان وقفت أخرى لصالح تنظيمات وأحزاب تفصل الفتوى وفق المقاس المطلوب لا يقودها علم في الفقه بل عصبية حزبية تصب في النهاية في التلاعب بالدين ولكن هذه المرة لصالح هيئة لا دولة ولا سلطان.
وبين النقيضين وقف علماء أجلاء الموقف الحق لا ينتقصون حق أي إنسان ولكنهم لا يبيعون ولا يشترون بالدين بل يقولون كلمة الحق وهذا يجعلهم في نظر السلطة غير موالين وفي نظر البائعين غير فاهمين ومتعصبين.
إن الدين ليس للبيع ولا للاستغلال ولا للنفاق ولا للتزوير بل هو دين هداية وإرشاد وتنوير وموقف، يخضع له الجميع ولا يخضع هو لهم.