نتحدث عن الكارثة الثانیة فالأولى وقعت بانفصال جنوب السودان الذي فشل في بناء دولة مستقرة وراح ضحیة حروب وفظائع داخلیة ومجاعات وانتھى خارج التاریخ وتمكن المجتمع الدولي مؤخرا فقط من فرض توافق ھش. الكارثة الثانیة تلوح الآن وتوشك ان تحیق بالسودان العربي الشمالي وفق نفس السیناریو المدمر في سوریة والیمن ولیبیا، وذروة العجب ان النظام ھو من یلوح بھذه الكارثة لردع المعارضة. إنھ یقول للمتظاھرین وللشعب انكم لن تحصلوا الا
على الدمار والخراب والغرق في بحر من الدم. وھو تحذیر یمكن وضعھ على لسان النظام كالتالي: أنا أو الخراب!!
ھذا كان لسان حال قادة الدول الذین تعنتوا أمام الاحتجاجات السلمیة حتى تحولت الى مواجھة مسلحة اھلیة نفذت إلیھا ومنھا كل الجھات الخارجیة لتنفذ حروبا بالوكالة. إن تجریب التعنت حتى آخر لحظة عسى أن تتراجع وتتعب الاحتجاجات، سینتھي الى التورط في المواجھات، فتنزلق البلاد الى طریق الحرب الأھلیة بلا رجعة.
ما یحصل في السودان ھو امتداد لنفس الظاھرة ونفس القضیة، ولیس الشعب ھو من یجب ان یفھم الدرس فیعود مستسلما الى البیوت. لقد فعل ذلك طویلا وفاض الكیل معھ وقد حان الوقت للنظام ان یكف عن فكرة التفرد بالسلطة وأن یقبل أنھ طرف واحد من عدة مكونات ینبغي ان تتفاھم على صیغة انتقالیة متوازنة وعادلة للتقدم نحو نظام دیمقراطي برلماني، وھذا ینقذ البشیر وأركان نظامھ من المحاسبة والمساءلة والعقاب بل ویمكن ان یحصل بتنازلھ عن السلطة على ضمانات بعدم تسلیمھ للجنائیة الدولیة.
بدأت ثورة الانقاذ بانقلاب عسكري العام 89 وبغطاء سیاسي اسلامي من حزب المرحوم الترابي وابتدعت نظاما على طریقة القذافي یبدأ باللجان الشعبیة على مستوى الأحیاء وینتھي بالمؤتمر الشعبي العام الذي اصبح حزبا حاكما وغطاء لدكتاتوریة أمنیة وعسكریة ظلت، وبتعاطف من القوى الاسلامیة في العالم العربي، تسخر من الدیمقراطیة البرلمانیة بتسمیتھا ”دیمقراطیة ویستمنستر“ ومن المعارضة المشتتة في الخارج بتسمیتھا ”معارضة فنادق 5 نجوم“
لكن لم یلبث الترابي وأنصاره أن وقعوا ھم أنفسھم ضحیة الدكتاتوریة، وبقیة القصة معروفة على مدار ربع قرن .. مواجھة الفشل الاقتصادي والانقسامات والازمات والتمردات بالمناورة والمداورة والقمع واتھام اطراف خارجیة من اجل ھدف وحید قائم بذاتھ ھو الاحتفاظ بالسلطة.
الآن وصلنا الى نھایة الشوط. (الغد)