عبقرية الـمُعْجِزَة الألمانية
د. محمود أبو فروة الرجبي
31-01-2019 06:50 PM
لا بُدَّ من دراسة التَّجْرُبَة الألمانية، فَهَذِهِ الدَّوْلَة الصناعية الكُبْرى، صاحبة الانجازات العظيمة فِي مَجَالات مُتَعَدِدَة، تَمَكَنَت بعْد الحرب العَالَمِيَّة الثَّانية الَّتِي أدَّت إلى قتل ما لا يقل عَن تسعة ملايين ألماني، وَحُصُول نقص شَدِيد فِي اليد العاملة، ودمار شَامِل فِي القطاعات كلها، ووقوعها تَحْتَ معاهدات مقيدة للتطور، والتقدم، وَمَع ذلِكَ تَمَكَنَت ألمانيا من تحقيق الـمُعْجِزَة، وإعادة البِنَاء بِسُرْعَة عَجيبَة.
لا بُدَّ أن هُنَاكَ مجموعة من العوامل الَّتِي ساهمت فِي الصُّعود الألماني، وأولها الميزات والصفات الَّتِي يَتَمَتَع بِهَا هَذَا الشعب المثابر الَّذِي اسْتَطاعَ أن يَقُوُم رَغْم العوامل الـمُثَبِّطَة مُخالفًا للتوقعات العديدة ببقائه لِسَنواتٍ طَوِيلَة جِدًّا فِي القاع.
لَمْ تأت الـمُعْجِزَة الألمانية من فَرَاغ، وبدأت بِالشَّعْبِ الألماني نَفْسه، فَهْوَ شعب نشيط، ومثابر، وَيُحِب الإتقان، وتحالف ذلِكَ كُلهُ مَع مناهج تعليمية فاعلة، تزاوج بَيْنَ التَّعْلِيم النظري، والتطبيق العلمي، بالإضافة إلى الإنفاق الكثيف عَلَى البَحْث العلمي، ووضع الإنسان الـمُنَاسِب فِي مَكانِهِ الَّذِي يُبْدِع فِيهِ، وتقديس العُلَمَاء، والرفع من مكانتهم المادية والمعنوية.
البَعْض يشير إلى تأثير مَشْروع مارشال الَّذِي تَمَّ من خلاله إنْعَاش أوروبا وإخراجها من الوضع الَّذِي حَصَلَ لَهَا بِسَبَب تدمير الحرب لَهَا، وهَذَا ليْسَ دقيقًا إلى دَرَجَة كَبِيرَة، لأنَّ ضخ الأموال وحدها لا يَكْفِي لإخراج أمَّة من مُصِيبة مِثْلَمَا حل بِألـمَانْيَا بِسَبَب هَذِهِ الحرب، وَلَكِن لأنَّ لديها القُدْرَة عَلَى التعافي، والصفات الَّتِي ذكرناها فِي المقال، فإن المشروع نَجَحَ مَعْهَا، وَيَكْفِي الإشارة إلى أن مَشَارِيع أخْرَى أقيمت فِي أجزاء أخْرَى من العالم وضخت فِيهِا الأموال الطائلة، وَلَمْ تؤد إلى نَتَائِج إيجابية، عدا عَن بَعْض الدُّوَل الَّتِي حققت أرْبَاحًا خيالية من ثرواتها الطبيعية، وَلَمْ تنمو مُقابِل ذلِكَ تقنياً، وَحَضَاريًات بالصورة المتوقعة.
النتيجة أننا أمام أمَّة تعيش الآنَ فِي ذروة انجازاتها، وَرَغْم أن العَدِيد من دول العالم تُعَانِي من تباطؤ اقْتصادي، وتراجع فِي المداخيل، وانهيارات اقتصادية مُتَعَدِدَة وَلَكِن ألمانيا تُحَافِظ عَلَى نجاحها وتضيف لَهُ يوميًا، وما زالت العقلية الألمانية كَمَا كانَت سابقًا، إضافة إلى أن من يزور هَذَا البلد العريق يُلاحِظ حُبّ الألمان لعمل الخَيْر، وَمُساعدَة الآخَرِينَ، والالتزام التام بالقوانين، إضافة إلى قيم الإنسانية وَالرَّحْمَة.
نحتاج فِي وطننا العربي إلى دراسة التَّجْرُبَة الألمانية الَّتِي لَمْ تنجح بِسَبَب سياسات حكومية فَقَطْ، بَلْ ولأنَّ الشعب أراد الْحَياة، وتمتع بالصفات الَّتِي تَجْعَلهُ يتطور، ويتقدم.
العرب يستحقون الأفضل، ومِن الجدير بِنَا أن نقلد هَذِهِ التَّجْرُبَة العبقرية فِي بَعْض جوانبها، وأن نبتكر طريقنا فِي التقدم والتطور، وهَذَا ما نتمناه جَمِيعا لبلادنا العَرَبية العزيزة عَلَى قلوبنا.
Mrajaby1971@gmail.com