الحركة التصحيحة التي قادها وليد جنبلاط شغلت السياسيين, والكتاب والصحافة, على الصعيدين اللبناني والاقليمي, واثارت الدهشة والاستغراب لدى المراجع السياسية وقد ازعجت بعضهم, لأن »وليد بيك« قام باستدارة, او انعطافة واسعة تحت السقفين اللبناني والاقليمي معا, فما السر, وما هي الاهداف, ولماذا ??
الحقيقة ان لا احد يستطيع التبنؤ بمبادرات او فعل زعيم الحزب الاشتراكي الذي يتحرك بسرعة فائقة فيحدث دويا في محيطه كما يحدث الكثير من الارباك لمن حوله ... ولكن الذين عرفوا »وليد بيك« راهنوا على ان معسكر »14 اذار« ليس بيته الدائم ولا عنوانه الثابت لان الارث الكبير الذي تركه والده المناضل, كمال جنبلاط يقيد خياراته وحركته ويعيده الى جذوره, وهؤلاء كسبوا الرهان الان, رغم تطمينات جنبلاط, ووعوده بانه لم ولن يتخلى عن الشيخ سعد الحريري و14 اذار..
ويبدو ان »صحوة البيك« ما أتت من فراغ او من فعل عبثي, او حب في التغيير, او لمجرد احداث فرقعة في لبنان عشية تشكيل حكومة صديقه الشيخ سعد, فهناك من هو على يقين بأن وليد جنبلاط الذي عاد الى عباءة والده جنبلاط الاب, واستحضر ابنه تيمور معه في المشهد الجديد, قام باعادة تموضع سياسي مبني على حسابات ومعلومات جديدة, وعلى وعي دقيق بما تحمله المرحلة اقليميا, اضافة الى ما اعلنه حول »حساسية الجبل وخصوصية الدروز« واضعاً في حساباته المستجدات والمتغيرات على الساحتين اللبنانية والاقليمية..
ولكن رغم تطمينات »زعيم المختارة« فقد اصابت شظايا انتفاضته الكثيرين, وكان اول من اصيب بالصدمة الرئيس المكلف سعد الحريري, الذي خشي ان تسبب »الصحوة الجنبلاطية« تخريب الصيغة السابقة المعتمدة في تشكيل الحكومة الجديدة, المتفق عليها بين 14 اذار والمعارضة وقصر بعبدا, ولكن وليد جنبلاط اعلن استعداده التخلي عن الوزراء الدروز الثلاثة وترك اختيارهم للحريري من اجل تطمين 14 اذار بان حركته لم تستهدفهم وانما من اجل »مصلحة الطايفة«.. وقد اعتبرت حركة 14 اذار ان عرض جنبلاط يضعهم في موقف صعب.
وعندما ارسل سعد الحريري باقة ورد بمناسبة عيد ميلاد »وليد بيك« وبلوغه الستين عاما, الذي صادف يوم » 7 آب« الماضي, اتبعها باتصال هاتفي للتهنئة, وقد استغل جنبلاط هذه المناسبة لتطمين الحريري والرياض معا بانه لن ينقلب على 14 اذار رغم الارتياح الدمشقي والترحيب الايراني بالقرار الجنبلاطي....
الثابت ان جنبلاط, هو الشخصية الاكثر اثارة للجدل بين الشخصيات السياسية في لبنان, له حساباته التي اعلنها والتي يعرفها ولم يعلنها. ويبدو ان »البيك« التقط اشارات واضحة عندما رأى ان الطريق الى دمشق سالكة امام تهافت الوفود العربية والغربية وفي مقدمتها الوفود الامريكية والفرنسية لزيارة العاصمة السورية, وهذه الحركة آثارت اهتمام وفضول زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي كما اثارت وجده القديم وعشقه للشام, كما بدأ يرى, بعد اقترابه من »حزب الله« ان طريق المختارة - دمشق اصبحت ممهدة امامه, وانه يريد ان يكون السبّاق لقطف ثمار التقارب السعودي - السوري والتفاهم حول لبنان..
اضافة الى ان وليد جنبلاط يتابع الاحداث ولديه مصادر معلومات تمكنه من قراءة ما بين السطور, فأحس او استشعر ان الايام القليلة المقبلة حبلى بالاحداث, خصوصا في حمى الحديث عن مبادرة امريكية سيئة وعن تهديدات اسرائيلية لم تؤخذ بعد على محمل الجد, وقد اشار العماد عون صراحة مؤخرا الى مشروع التوطين في لبنان, ودعا الى »مواجهة التوطين بالتضامن مع مجتمعنا ومحيطنا«. !!
واذا كان السياسيون اللبنانيون ينتظرون عودة الرئيس المكلف سعد الحريري خلال ساعات او ايام للتعامل مع الواقع الجديد بعد خلط الاوراق, فهم ايضا بانتظار خطاب مهم للسيد حسن نصرالله يوم الجمعة المقبل »14 آب« في ذكرى الانتصار الكبير على الجيش الاسرائيلي في حرب تموز ,2006 حيث سيرد على التهديدات الاسرائيلية التي وردت على لسان باراك ونتنياهو كما سيتحدث عن التطورات في الساحة اللبنانية والاقليمية.. وفي تلك اللحظة سيكون »وليد بيك« قد ابتعد قليلا عن حركة 14 اذار, وهي »العلاقة التي فرضتها الضرورة المرحلية«, واقترب كثيرا من حركة 8 اذار حيث صفوف المقاومة وهو الموقع الاستراتيجي الموروث والطبيعي لخليفة المناضل كمال جنبلاط وحزبه, وربما ادخال تيمور جنبلاط الى المشهد السياسي له معناه ويحمل رسالة واضحة..0
Kawash.m@gmail.com