إياس ومفاخر مضر: ثقافة متقدّمة في فهم القبليّة
أ.د عمر الفجاوي
30-01-2019 12:57 PM
منسوبو الهاشميّة نموذجًا
يحلو لي – وأنا السّائر ومعي كثرة كاثرة من الشّهماء في تأسيس ثقافة الإيجابيّة – أن أنوّه بنفر غير قليل يقدّمون للمشهد الأردنيّ، ولا سيّما الجامعيّ، رؤية ذات شعاع وقّاد في فهم القبليّة، ويبنون على ما توارثوه من شمّ الآباء والأجداد من كريم السّجايا ونبيل الخصال، ولا يبغون عن ذاك حِوَلًا، ويفيضون إلى الحفدة والأيفاع من ناشئة هذا الزّمان مجيد الأخلاق وجميل المَثُلات، فيعلون صروح الحقّ وشامخ البنيان، وهم يحسنون إلى القبيلة، ولا يلقون عليها نازل الهفوات ومنحدر السّقطات، من كاره، أو زارِ، أو شانئ، أو ممّن انتجعوا الجدب، والخصب محيط بهم من كلّ جانب.
حيّا الله أناسًا منسوبين إلى القبيلة الّتي تبثّ في أفئدتهم جزيل المروءات ليُضْحُوا في عليا الدّرجات، وتُنْهِض في أبنائها الفضائل والشّمائل، وتأخذهم من قيعان الارتكاس إلى يفاع ممنّع، ومن مستزلّات الشّيطان إلى طهر الملائكة، ويعافون للمتحدّرين سهولًا؛ لأنّهم أبوْا أن يخوضوا مع الخائضين، ولم يستعذبوا ساقط القول، ولا قيل الخنا، ولا جاسوا ضُلًّا بتضلال خلال الدّيار، فكانوا الذّادة عن الحقّ، ولم يركبوا العناد إن غوت غزيّة، بل كانوا هَرِمًا والحارث وابن عُباد، على كلّ حال من سحيل ومبرم، أولئك هم الّذين بهم يفخر الأردنّ، فلا تلين فناتهم في قول الحق؛ لأنّهم قوّامون بالقِسط ولو على أنفسهم ووالديهم والأقربين.
إنّ في الأردنّ رجالًا حملوا مشاعل النّور لينيروا حالك الظّلمات وحنادس الليالي، حين يروْن من قعدت بهم الهمم، وتراخَوْا عن الكلمة الفصل، وعاثوا في الأرض فسادًا، وقد أضلّهم السّامريّ، وعبثت بهم الأهواء، وأخذتهم العزّة بالإثم، ويصرّون على الحنث العظيم، ولا يدركون قِيدَ سَمّ الخِياط، ويحسبون أنّهم يحسنون صنعا، فتلفي أحدهم وقد ماز نفسه ميزًا حماسيًا هوائيًّا تجاه متعة رياضيّة، ويانف إلّا أن يحرج السّياسة مع الرّياضة، ويقحم البلدانيّة في الألعاب الّتي تجمّل حيواتنا بما تسديه إلينا من إمتاع ومؤانسة، ويتّخذون بُعَيْد ذلك هذه المشاهد أبواقًا للتّنفيس عن كوامن مقشعرّة في انفسهم، فلا يَطْمَئِنّون ولا يُطَمْئِنون، بل تعتريهم الشّمأزيزة والقشعريرة، ويُرعِدوننا بعبارات بذيئة، ويسلقوننا بألسنة حِداد، وقد طوى كلّ منهم كشحًا على مستكنّة، فلله أولئك النّفر من الرّجال الّذين يصلحون ما أفسده هؤلاء، ويبنون ما هدّمه الدّهماء بسوء فعالهم.
إنّ في كلّ قبيلة مفاخر ينبغي تقديمها وتقدّمها، فهؤلاء المفاخر هم الّذين إلى الرَّوْع يَنْهَدُون، وبالحقّ يصدعون، وعن الباطل يتحوّلون، هذه هي القبيلة الأردنيّة، وتلكم أبناؤها وبناتاه، لا أولئك الحفنة من الّذين يريدون هزّ الأركان باسم قبائلهم، إنّهم سفهاء الأحلام، ولا يجوز السّكوت عليهم.
وقد آنست بعين الرّضا في هاشميّتنا من يفهمون القبليّة برؤية ذات نبراس وهّاج، فلا تراهم إلّا والأنفة تكتنفهم من كلّ أقطارها، ونفوسهم تأبى أن تسكن اللحم والعظما، فقد أقاموا النّكير على السّفه باسم القبيلة والطّيش، وتساوى حديث الخَلوَة عندهم بحديث الجَلوَة، ولم يداروا على حساب الوطن والجامعة، وكان كلّ واحد فارسًا على صهوة جواده، ينتضل من أجل كلمة سواء، لا من أجل ضَيِّقِ عَطَنٍ لا يرى من الكون سوى ثقوب الإبر، فنعم الرّجال فرسان الحقائق؛ لأنّ واحدهم عطّاف إذا الخيل أدبرت، ولا يقرّ له قرار، ولا بعيش يهنأ إلّا وقد وضع نفسه حيث العلياء والكرامة، ويأخذ على يد أخيه المخطئ ويقول له: أخطأت، فمثلك لا يهدم ما شاده سَراة القبيلة، فقد بنوْا لنا بيتًا دعائمه أعزّ وأجمل
فادفع بكفّك - إن أردتَ – بناءَنا ثهلانُ ذو الهَضَبات لا يتحلحل
وأغلق مقالتي هذه بأنّ الجاحظ قد عدّد محاسن القاضي إياس بن معاوية، ثمّ أزجى لنا قريحته الفاذّة في فهم القبليّة، متّخذًا إياسًا مثالًا على نبل قبيلة مضر فقال:" وجملة القول في إياس أنّه كان من مفاخر مضر"
ولا غرو أن ينشد إسحاق الموصليّ:
إذا مضر الحمراء كانت أَرومتي وقام بنصري خازم وابن خازم
عطستُ بأنف شامخ وتناولت يداي الثّريّا قاعدًا غير قائم
ألا وإنّا على جعل أينائنا إياسًا لقادرون.