أبارك لسيد البلاد جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين " حفظه الله " عيد ميلاده السابع والخمسين الميمون، والذي هو عيد لكل الأردنيين بكامل عمقهم الجغرافي والديموغرافي داخل حدود الوطن الأردن الغالي، وخارج حدوده وسط العرب، وعلى خارطة العالم . ويكفينا فخراً بأن جلالته ينتمي للجيل الثالث والاربعين من احفاد النبي محمد صل الله عليه وسلم، وبأنه من سلالة ملوك إرتبط تاريخهم المشرف بثورة العرب الكبرى المجيدة، وبعمق اعظم امبراطورية عرفها التاريخ الأ وهي الدولة العباسية منذ 767 عاماً . والتاريخ المعاصر شاهد عيان على حراك ملوك عرب اقحاح عقدوا العزم على بناء دولة الأردن ، وبلاد الشام ، ودولة العرب، فكان لنا في التاريخ ملك العرب الشريف الحسين بن علي، والأمير الملك المؤسسة عبدالله الأول صانع صحافة الاستقصاء ، والملك طلال الذي ارتبط اسمه بدستور البلاد ، والملك الباني الحسين العظيم طيب الله ثراه صاحب البناء الوطني الكبير ، الا ان المُلك آلَ لمليكنا المفدى عبدالله الثاني معزز البناء عبر 20 عاماً من العطاء وسط ظروف اقتصادية وسياسية صعبة تخللتها امواج ربيع عربي ساخن، واردني اخضر كذلك خرج منه الاردن سالماً معافى بحكمة سيدنا جلالة الملك وبعد تقديم الدولة الاردنية للسياسية على الأمن .
كتب جلالة الملك عبدالله الثاني في مؤلفه " فرصتنا الأخيرة – السعي نحو السلام في زمن الخطر، ص 177 ( وإذا شئت ان اذكر درساً بعينه تلقيته من والدي ومعلمي فهو أن على الملك ان يكون راعياً لشعبه اكثر منه حاكماً لهم).وهنا اقول نعمَ الملك الوفي لوالده الرمز الحسين الباني، ونعم الملوك الذين يقدمون الرعاية على الحكم، ويحرصون ان يكونوا دائماً وسط ناسهم وشعبهم دون كلل أو ملل ، ويقتربون من الكبار، والبسطاء، ومنهم الأيتام، والفقراء، وذوي الإحتياجات الخاصة، والمرضى ، وقلوبهم تنبض مع دقات الوطن .
كتب حيدر محمود قصيدة معبرة (عام 2015) قال فيها : كل السنين بعبدالله تحتفل هذا الفتي الشيخ معقود به الأمل . ابا الحسين وانت ابن الحسين ... وهل يأتي من الشهد الا الشهد والعسل.
كل السنين بعبدالله تحتفل
ابا الحسين وانت ابن الحسين
هذا الفتى الشيخ معقود به الأمل
وهل يأتي من الشهد الا الشهد والعسل
وفي صفحة 207 من كتاب / فرصتنا / الاخيرة / نقرأ ايضاً كلاماً ذا معنى ودلالة لجلالة الملك عبدالله الثاني حيث قال ( عندما اعتليت عرش الاردن في شباط / فبراير من العام 1999 لم اشعر بان التحدي الاول الذي سيقف في وجهي سيكون حرباً يخوضها الاردن ، او عملاً ارهابياً يهدد استقرار ينعم به. كان همي الاكثر الحاحاً هو كيف انهض باقتصاد الاردن من أزمة شبه عابرة كان يمر بها واضعة على مسار من النمو القوي الثابت والمتكيف مع الحركة الاقتصادية العالمية ). وتعليقي هنا هو بأن الهاجس الوطني لجلالته والمتعلق بالإقتصاد تقدم على التفكير يميناً ويساراً صوب اية حرب بعد توقيع معاهدة السلام عام 1994 في عهد والده الراحل العظيم الحسين، ولم يكن معروفاً بعد بأن الربيع العربي سيتم استغلاله وتغيير مساره تجاه إغراق المنطقة العربية بالأرهاب ، وهو ما حدث لاحقاً ولم يثني الاردن عن التقدم تجاهه لإيجاد مخارج ممكنة لإنعاش اقتصاده عبر الإستثمار و تشجيعه وإقامة علاقات متوازنه مع دول العرب والعالم كافة. وفي صفحة 248 منه قول واضح لجلالة الملك عبدالله الثاني وجههُ أنذاك لباراك مفاده انه اذا شاء للعلاقات ان تتحسن بين الاردن واسرائيل فعليه ان يحقق تقدماً حقيقياً وملموساً مع الفلسطينين وكان ذلك عام 2000 نستقي منه بأن الهم الفلسطيني يعادل الهم الاردني في فكر جلالته، وهو ما لاحظناه وتابعناه في كل المحافل والمواقف الإقليمية والدولية لاحقاً وحتى الساعة، ولم يصغي يوماً جلالته للضغوطات الخارجية الخاصة بسرابيه ما سمي بالوطن البديل ، ولا لصفقة القرن التي استهدفت القدس الشريف، والدولة الفلسطينية والوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين ، وعلى القضية الفلسطينية ، برمتها منذ انطلاقتها عام 1948 ، فتمسك جلالته بخيار حل الدولتين، وبحدود الرابع من حزيران 1967 وبقرارات الأمم المتحدة ومجلس ذات العلاقة ، وبالوصاية الهاشمية التي شكلت ولا تزال جزءاً هاماً من السيادة الأردنية الكاملة منذ عام 1924 ولا تزال .
وقرأت ايضاً في كتاب جلالة الملك عبدالله الثاني القيم / فرصتنا الأخيرة / ص 330/329 قوله ( في اواخر العام 2004 دعوت جمعاً من العلماء المسلمين الى الاردن ، وطرحت عليهم سؤالاً حول ما يقترحونه من سبل لمكافحة التكفيرين وما يطرحونه من اراء وافكار هدامة، توصل هؤلاء العلماء الأجلاء الى وضع وثيقة بعنوان " رسالة عمان " اوضحوا فيها حقيقة الاسلام وما هو الاسلام الحقيقي، وما علق بالإسلام مما ليس فيه، والاعمال التي تمثله وتلك التي لا تمثله. وأننا نستنكر دينياً واخلاقياً ، المفهوم المعاصر للإرهاب، الذي يراد به الممارسات الخاطئة ، أياً كان مصدرها وشكلها، والمتمثلة في التعدي على الحياة الإنسانية بصورة باغية متجاوزة لأحكام الله . وهنا والتعليق لي التقط الإنذار المبكر الذي احدثه جلالته بحق الإرهاب التكفيري الذي نخر بلاد العرب لاحقاً وتزامنَ مع موجة الربيع العربي وعاث فساداً وخراباً في العراق، وفي سوريا ، وفي ليبيا ، وفي اليمن وفي غير مكان ، وهنا في الاردن الذي تمكن من النجاة منه مراراً بقوة اجهزتنا الامنية ( العيون الساهرة الحمراء ) الجبارة التي لا تنام وبجهد جيشنا العربي الأردني الباسل، وبوعي شعبنا الاردني المتعلم والمثقف . وبالإرتكاز على قول حكيم لجلالة الملك عبدالله الثاني عام 2014 ( عندنا تحديات داخل الإسلام بين التطرف والإعتدال، والحرب حربنا وتحتاج لبعض الوقت، والدور العسكري بالمدى القريب، والدور الأمني بالمدى المتوسط ، والدور الأيديولوجي بالمدى الطويل). وصفحة 408 منه لجلالته ذكرت بأن حل الدولتين مع الفلسطينين يعني في جوهرة حل مع سبع وخمسين دولة يضمن لأسرائيل علاقات طبيعية مع كل الدول العربية والإسلامية التي تدعم جميعها المبادرة العربية للسلام . وهو الأمر الذي يدعوه فيه جلالة الملك اسرائيل للأخذ ببعد النظر، ولكسب ود الدول العربية والإسلامية مجتمعين بعد قبولها علنا ًبحل الدولتين، وهو الذي يعني تثبيت القدس الشريف عاصمة ابدية لفلسطين ، والوصاية الهاشمية على المقدسات فيها كذلك، وضمان كامل حقوق الأردن السيادية .
ويحضرني هنا العروج على ملف الأوراق الملكية النقاشية السبعة التي شكلت بمجملها خارطة طريق للدولة عبر حكوماتها، وللمجتمع وللوطن، وركزت خمسة منها على ترسيخ الديموقراطية ودعت السادسة لسيادة القانون، ونادت السابعة الى بناء القدرات البشرية وتطوير العملية التعليمية جوهر نهضة الأمة . ومن وسط الأوراق الملكية سابقة الذكر توضيح لشرف تحمل مسؤولية اتخاذ القرارات التي تمس مصير الأردن وجميع الأردنيين عبر الانتخابات، وتشجيع الحوار، واحترام الرأي والرأي الآخر، وترسيخ واجب المساءلة. ودعوة ملكية صريحة للإنتقال نحو نهج الحكومات البرلمانية وهو الذي يتطلب معه والتعليق هنا لي أيضاً الى مواصلة بناء البنية التحتية ، وتوسيع شبكة الانتاج لمواجهة قانون الضريبة والتحول من الاستهلاك الى الانتاج من خلال مفاهيم جديدة مجتمعية بواسطة الحزبية الجادة البرامجية، وتقنين الاحزاب الى اثنين او ثلاثة او خمسة يمين ، وسط ، ويسار، والذهاب بالأحزاب الى خطط عمل مشتركة وباقتراحات واقعية وعملية تسهم في تقدم الوطن دعوة ملكية صريحة . وواصلت الاوراق الملكية النقاشية توجيه الاصلاح عبر تعزيز المشاركة الشعبية في صنع القرار . والذهاب لديمقراطية اردنية متجددة وحيوية تعتمد الترسيخ المتدرج لنهج الحكومات البرلمانية تحت مظلة الملكية الدستورية من خلال مشاركة شعبية فاعلة اسمها المواطنة الفاعلة، وتؤكد الأوراق الملكية على الرغم من كل ما يحيط بنا من نزاعات وحروب بأننا تثبت لأنفسنا وللعالم اجمع كل يوم وبعزيمة كل مواطن بأننا اقوياء ودعوة لتحقيق مبداً سيادة القانون لترسيخ العدالة والمساواة والشفافية ، والمساءلة .
وتؤكد الاوراق الملكية النقاشية ايضاً على ان الاردن القوي يقدم لأبنائه خير تعليم ، ويؤهلهم لأن يواجهوا تحديات الحياة ، لأن يقيموا أعمالا ًناجحة ، وأن يمارسوا حرفاً قيمة ، وأن ينشئوا أسراً متآلفة ، وأن يبنوا مجتمعا ًمتماسكاً .
آملي كبير بأن تناقش الأوراق الملكية الهامة والهادفة في مدارسنا ، وجامعاتنا، وأنديتنا، ونقاباتنا، وجمعياتنا لما فيه كل الخير للأجيال المتعاقبة ومنهم الشباب القوة المحركة للمجتمع وللوطن . عاش جلالة الملك عبدالله الثاني المفدى ، والرفعة والازدهار لوطننا الأردن الغالي ، والف مبروك ثانيةً عيد ميلاد سيدنا تاج راسنا ورمز استقرارنا . (الرأي)