قد آن لعلماء الاجتماع اليوم ان يدرسوا حالة الذهن الانساني في العِقد الأخير ؛ فإن كانت الفوضى سابقا تتطلب جمعا ماديا للبشر فإنها اليوم لا تتطلب اَي جهد سوى جهد بضع من يديرون مواقع التواصل ؛ أؤلئك الذين بلغوا - برأيي- ذروة إدارة العقل الجمعي على مدار التاريخ ، و لك ان تلاحظ انك كنت تتأمل طويلا قبل ان تبدي إعجابك بفكرة لكن الكثيرين اليوم يبدون إعجابهم بكبسة زر قبل قراءة الفكرة فيندفعون بها جمعياً بطريقة تعطّل العقل الفردي لحظتها و لا يعود مجال للتراجع ...
هذا الزخم من الجهل يقابله جزء بسيط من جهد التجهيل و كأن العقل الإنساني اصبح محكوماً بما تؤول اليه كل كرة ثلج تُطرح لتجد الكثير من المتحمسين لدحرجتها ؛ فلا السلطة - أي سلطة -أصبحت تسيطر ، و لا من بيده القرار اصبح حرا في قراره فهو الاخر لم يعد قادراً على الجزم و قراره محكوم بما ينتجه مصنع العقل الجمعي الدائم، و اخطر ما في الامر أن تكوين الحالة الذهنية الجمعية كان مربوطا بأحداث مؤقتة تبدأ و تنتهي بوقت قياسي اما اليوم فهي ذهنية جمعية دائمة لأي حدث هي التي تحكم ذهن البشر ..حيث لم يعد لدى البشر الوقت الكافي لتقييم اَي حدث فترى جلهم يركبون التيار .. فلا مجال للتأمل في هذا الطوفان الدائم و لا جدوى من سماع صوت العقل ، الفكرة تولد بثوانٍ و تكتب بدقيقة و تحوز إعجاب الآلاف بدقائق إعجاباً ينفذه الإبهام و لا يصل حتى الى سطح العقل .
اذن فالأمر لم يعد يتعلق بالإعلام .. بل اصبح خللاً ذهنيا و اجتماعيا خطيرا ؛ فقد كان نطاق الجاهل محليا و محدودا جدا أما اليوم فنطاقه السماء ؛ و أصبحت نظرية الاحتمالات أساسا لترويج أي كذبة حتى و ان كانت غير منطقية ، ومهما كانت الكذبة واضحة تأكد تماما انها ستجد من يدحرجها بسرعة جنونية ، أما الخطر الآخر فإن الجهل لم يعد له عنوان و لن تجد جاهلا يقرّ ان في المعمورة من هو اكثر منه أدراكاً.
الامر يحتاج الى دراسة جدية من أهل الاختصاص في علم النفس والاجتماع ، و لا أظن ان هنالك رجعة ، إلا ان تشخيص الحالة مهم فقط لنقّدر أين نحن - البشر - ذاهبون!!