كفانا سجالاً عقيماً، لننظر إلى المستقبل
د. محمد أبو رمان
10-08-2009 05:08 AM
انحرفت المتابعة الإعلامية لحديث الملك الأخير عن المضمون السياسي المفصلي إلى قضايا جانبية خارج النص تماماً، تقفز عن الحديث وتفرِّغه من أهميته!
عقب الحديث انقسمنا، إعلاميين وسياسيين، إلى اتجاهين، وربما ثلاثة، الأول ألقى باللائمة على الحملة الإعلامية التي ضخَّمت من دور وزارة الداخلية في تصويب أوضاع اللاجئين واعتبرت ذلك سحباً للجنسية من نصف السكان، وكذلك الآراء التي بدأت تعيد فتح ملف دستورية قرار فك الارتباط، مما أثار مخاوف من الدلالات السياسية لهذا الاتجاه، وكذلك الدندنة على وتر "الحقوق المنقوصة" التي تثير سؤال هوية الدولة.
الاتجاه الثاني هاجم النخبة التي أبدت قلقها من تسريبات رسمية وغير رسمية وإشارات على ضغوط محتملة وتفاهمات حول قضية اللاجئين تستبق الحل النهائي، وتحمّل الأردن تصفية الملفات الأصعب في الحل النهائي، وتهدد هوية الدولة واستقرارها الاجتماعي والسياسي، واعتبر المنتقدون أنّ هذه النخبة ضلّلت الرأي العام وبثت إشاعات وزرعت مخاوف غير حقيقية لديه.
حسناً، لنتجاوز هذا السجال الكاريكاتوري العقيم، لأنه غير مفيد، ولن يؤدي إلى نتيجة، فضلاً أنه يُكرِّس مناظرات إعلامية في اتجاهات تضر الوحدة الوطنية وتهدد النسيج الاجتماعي. في المقابل لنأخذ المضمون السياسي الواضح في خطاب الملك، وهو: الحفاظ على هوية الدولة، عدم استباق الحل النهائي في مسألة العودة والتعويض، وكذلك رفض أي تصورات لإنهاء القضية على حساب الأردن.
من ناحية التوقيت، فإنّ خطاب الملك جاء قُبيل إعلان مبادرة الرئيس أوباما للتسوية السلمية، وفي ذلك رسالة واضحة للخارج حول موقف الأردن الصارم، كما أنّ ردّ الفعل الشعبي والسياسي والإعلامي الحاد على "بالونات اختبار"، أطلقت من هنا وهناك، حول التوطين والتلاعب بالمعادلة الداخلية، كان واضحاً وقاطعاً، وهو بحد ذاته رسالة سياسية ليست مشفّرة.
على الجهة الأخرى، فإنّ توقيت الخطاب جاء بمثابة "رسالة سياسية" موجهة لحكومة يمينية إسرائيلية تضررت من الدبلوماسية الأردنية وقدرتها على تغيير توجهات الملعب الدولي، وتحديداً الأميركي، فقامت بمتوالية من السياسات الاستفزازية.
أحسب أنّنا لا نختلف في تحديد أهداف الرسالة السياسية الجوهرية ومضمونها في حديث الملك، وهو ما يدفع بنا إلى إعادة توجيه بوصلة الحوار الإعلامي والسياسي في السياقات التي تخدم الوطن ولا تفككه إلى لوبيات متناحرة ومتقاتلة.
لا يقول عاقل أنّ مدلول حديث الملك يكمن في إقفال ملف النقاش والحوار في الأسئلة السياسية الكبرى التي تواجه الوطن. لكنْ ثمة فرق كبير وبنيوي، بين التركيز على نقاط الاختلاف والتباين وشخصنة الحوار والنزول به إلى تصفية حساب و"ضربات تحت الحزام"، وبين البحث على الأرضية المشتركة التي تحملنا جميعاً وتتفهم هواجس المكونات المختلفة، وتحقق المصلحة الوطنية العليا.
وظيفة الإعلام الأخلاقية تكمن في تصليب الجبهة الداخلية، وهو ما يدعو إلى المساهمة في بناء وصوغ خطاب إعلامي رشيد وعقلاني إلى الرأي العام الداخلي والخارجي.
m.aburumman@alghad.jo