من یطالع مواقع التواصل الاجتماعي، ویقرأ ما یكتب عبر المتصفح الأزرق یشعر أن ھناك حالة ضیاع لدى طیف واسع من أبناء المجتمع، فلا غرابة أن تقرأ لمن یرید محاربة الفسادّ ویدعو لجز رأسھ انقلابا على كل ذلك، عندما یتعلق الأمر بابن عشیرتھ أو منطقتھ الجغرافیة، ولا غرابة أن نرى بعض اولئك الذین یملؤون المتصفح الازرق بكلمات وعبر ضد الفساد في الشارع، احتجاجھم على اعتقال ابن منطقتھم ھذا او ذاك، بتھم فساد، ولیس بتھم سیاسیة.
ھذا الحال تكرر بمناطق مختلفة، بید أن ما یثلج الصدر أحیانا ان البعض قد اصدر بیانات یؤكد فیھا احترامھ للقانون والقضاء، وتمسكھ بالقول ان كل متھم بريء حتى تثبت ادانتھ، وھذا جوھر العدالة الحقیقي، اذ لا یجوز البتة أن یحاكم أي شخص شعبیا قبل أن یصدر علیھ حكم القانون، فتلك الاحكام الشعبیة غالبا ما تكون متسرعة، ولا تبنى على حقائق بقدر ما تكون مبنیة على (فلان حكى لفلان)، وبالتالي فإن الاصل من الجمیع انتظار انتھاء محاكمة اي شخص قبل الحكم علیھ.
حالة الضیاع التي نلمسھا لا تتعلق بطریقة التعامل مع قضایا الفساد وتناولھا فقط، وانما تتعداھا اكثر الى طریقة التعامل مع القضایا السیاسیة المختلفة، اذ لا یمكن ان اقناع أحد بأن من یمتلك فكرا محافظا رادیكالیا متحجرا، ولا یؤمن بالحوار ولا بالاختلاف، ان یصبح دیمقراطیا بیوم ولیلة، كما لا یمكن لمن ینادي بالدیمقراطیة والحریة والعدالة الاجتماعیة والوطن الحر والشعب السعید، والأردن الوطني الدیمقراطي أن یلتقي مع أولئك، أو ان یضع یده بیدھم، فقط لانھ یرید محاربة الفساد.
أولئك المتحجرون ھدفھم یختلف تماما عن ھدف من یؤمنون قولا وفعلا بالدیمقراطیة ھدفا ونتیجة وممارسة، فمن ینادي بالحریة والعدالة یعرف یقینا ان الحریة والعدالة ومحاربة الفساد عنوانھا بناء الدولة، لا الذود بالاصول والفصول تجنبا للقانون وسیادتھ، فالعشیرة ھي حالة اجتماعیة لھا ایجابیاتھا على الا یتعارض الانتماء لھا مع الانتماء الوطني، والدولة بشكلھا العام وسیادة القانون لا تسموان على كل فعل عشائري او جھوي او مناطقي او شخصي، ولا احد
یرفض القیم الایجابیة للعشیرة، قیم التسامح والود واغاثة الملھوف، فكلھا قیم تربینا علیھا جمیعا.
الاصل ھو سیادة القانون على الجمیع، ومن یطالب بمحاربة الفساد انما یرید تقویة بنیان الدولة، ومن یطالب بعدالة اجتماعیة انما یرید الوصول لدولة الحداثة والمدنیة، ومن یطالب بأردن وطني دیمقراطي انما یؤمن بالحوار والاختلاف وبحق الجمیع بالحوار تحت سقف الوطن.
أما أولئك الذین لا یعرفون حتى معنى عدالة اجتماعیة، وان حدثتھم عن المواطنة یشیحون الرأس ویتھمونك بتھم شتى، فمثل ھؤلاء یجب اخراجھم من بین الصفوف، فھم كالنبت الضار یخرب كل شيء ویجیدون التسلق على المطالبات المحقة للوصول الى ما یطمحون الیھ، وما وضعوه امام اعینھم، بل وھؤلاء یفشلون اي حراك دیمقراطي وطني ویلتفون علیھ.
لا یكفي ان یؤید اولئك بیانا یذھب باتجاه ما ذكرنا سابقا حول العدالة والحریة والحق بالرأي والتعبیر، وسیادة القانون والمواطنة والشفافیة ومحاربة فساد وحكومات برلمانیة منتخبة، وانما لا بد من تشریح مواقف البعض عبر السنین، لمعرفة الخیط الأبیض من الاسود، فقد قالوا سابقا ”الخطوة تدل على المسیر“، ولذا على المطالبین حقا بالعدالة ومحاربة فساد ودولة القانون والعدالة الاجتماعیة ان یخرجوا النبت الضار من صفوفھم وتحییده، وابعاده عن الفرع الاصیل حتى لا یتعبھ ویمرضھ ویجعلھ جافا. (الغد)