المُسحرْ لقبٌ يُطلقُ على من يتولى مُهمةَ إيقاظِ المسلمين قُبيلَ الفجرِ ليستعدوا لصيامِ يومٍ جديد.
اذا فَعملُ المُسحِراتي التاريخي التقليدي، مُرتبطٌ وجوداً وعدماً بشهرِ رمضانَ، شهرِ الجهادِ والاجتهاد الروحي والبدني.
في هذهِ الايامِ بَرزَ مُنافسونَ على اللقب. إنهم الحراكيونَ الوطنيونَ الشُرفاء ، الذين يتألقونَ بشخصياتهم المستقلةِ وبِضمائرهم الحية. كلاهما، المسحر والحراكيون صادقا الليل ويتعاملان مع النيام. ولكل منهما حساباته مع الفجر.
الحراكيونَ طائفةُ نَفرت من تلقاءِ نفسها، تعتمد على نفسها جهدا ومالا وفكرا. ترفض أن تتلقى توجيهاتٍ أو تعليماتٍ من أي جهةٍ لا من داخلَ الوطنِ ولا من خارجهِ، على خِلافِ تُجارِ السياسةِ الذين يسكنُ أحدُهم ويعملُ داخلَ حدودِ الاردنِ السياسيةِ، ولكنهُ، في واقعِ الامرِ، يعيشُ خَارجها، بولائهِ السياسي أوالعقيدي أو العقلي أو البنكي، إضافةً الى غرامهِ الوجداني. وهذا ما يجعل الحراكيين عُملةً شِبهَ نادرةٍ في الوطن, وهذا ما يجعلُ الحراكيين مَهيبي الجانبِ، مطلوبي الودِ، على خلاف القاعدين الذين هم والموتى سواءا بسواء.
هُناكَ بالطبعِ مؤمنونَ لا يحتاجونَ الى إيقاظ، وهُمُ الذينَ تَنامُ عُيونهم ولا تنامُ عُقولهم، هؤلاء لا يحتاجون الى مُسحِر. لذلك فان هَمَّ المُسحِرِ أن يوقظُ بِطبلَتهِ النيامَ والمُتكاسلين فقط. وهكذا، في الحروبِ، تُستخدمُ الطبولُ، لايقاظِ هِممِ الجندِ وتعظيمِ حَماسِهم، بلْ، وعشقِهم للنصرِ على عدوهم. في كِلا الحالينِ، لا الطبولُ ولا حتى طلقات المدافعِ توقظُ موتى العقيدة أو موتى الوطنية، ولا توقظُ أيضا، فاقدي إرادةِ الحياةِ الحُرةِ الكريمةِ المُستقلةِ التي تَليقُ بالانسان. الارداةُ التي هي السمةُ الرئيسيةُ التي تُفرِقُ بين الانسانِ وبين ما في بيئتهِ من نباتٍ وحيوانٍ وحجر.
الحراكيونَ المُسحِرونَ موجودونَ على الدوارِ الرابعِ والدوارِ العاشرِ والدوارِ صِفر، وفي كافةِ ميادينِ وساحاتِ الوطنِ، وفي حِيشانِ البيوتِ ومَضافاتِ الاصدقاء والاقاربِ وصالاتِ الافراح والاتراح وفي البقالات التي ضَجرتْ بضائعها الكاسدة من السكون ومن تأوهات المحرومين، كما ملت من مُسلسل لصق الاسعار المتصاعدة عليها. هذا حال الاردنيين من شمالِ الوطنِ الى جنوبهِ باستثناءِ منْ خانَ أمانةَ المسؤوليةِ وحولَ الدولةَ "بعطائات التزريق" الى بِضعِ مَزارعَ تُصَدِرُ المالَ المنهوبَ الى بُنوكِ المهجرِ وفُرصِ المتجر.
المُسحرُ يُحاول وبالحاح انتزاع النوم من أعين من يَعقتدونَ أنّ الصيامَ جِسرُهم الى الجنة. بالمقابلِ، يَصرُخُ الحراكيون بأعلى أصواتِهم، يَستحثونَ إرادة الانتفاضِ ومن ثم خُطى الانضامِ اليهم. إنهم يحلمون َبَهبة كالعاصفة، يُشارك فيها كُلُ منْ يَعتقدُ أنهُ جديرٌ بِالحياة الحُرةِ الكَريمةٍ، تلك التي تَمتْ سَرِقتُها، مِنهُ ومن أطفالهِ وأقربائهِ وجيرانهِ ومُواطنيه. الحراكيون يَستسرعونُ اليقظة من كل من يعتقدُ أنّ هذا الوطنَ هو وَطنهُ، وأنّ كَرامةَ الوطنِ واستقلالهِ وسيادتهِ وأمنهِ، هي ذاتُ المُفرداتِ المتعلقةِ بهِ شخصيا: كرامةً واستقلالاً وسيادةً وأمنا. ولذلك، فقد أصبحَ الصمتُ أحدَ المُحرمات التي لا ترتضي أن تُدخِلُ الصامتينَ شُرفاتِ جَهَنم، بل، الدَركَ الاسفلِ مِنها.
تكثرُ في رمضانَ المواعظُ الداعيةُ للتوقفِ عنِ الشرورِ بِأصنافهِ، كالفسادِ والكذبِ والغِشِ والتدليسِ، ومن ثَمَ الانتقالَ الى الدرجةِ الاعلى وَهي التَطهُرُ مِن مَالِ الاخرين، لان الله يُحبُ المُتَطهرين. كما تدعو الى، إحياءِ مواهبِ الصدق والامانةِ بما فيها أمانةُ المسؤوليةِ، التي اعتذرت الجبالُ، كما يقول القران، عن حملها وأشفقنَ مِنها، ولكن لان توصيفَ الامانةِ في عالمنا العربي، ومِن ضِمنهِ الاردنُ بالطبعِ، أصبحَ من المهانةِ والسفافةِ، بلْ والصفاقةِ، بحيثُ غَدا بمقدورِ الضعافِ الخفافِ أنْ يَتراكضوا ويتوسطوا وأن يركعوا ويسجدوا لِحملها، رغمَ أنهم بِعلمهم وعلمِ مَن حَملَهم ليحمِلوها، ليسوا بأهلها، لانهم لَمْ يَسعوا سَعيها، بل إكتفوا بالسعي اليها، ولذلك، لم يَرعوها حقَ رعايتها. الحراكيونَ المُسحِرونَ، يقولون، يهتفون، يصرخون في وجهِ من تَنطعوا لتولي المسؤولية، ما قَالَهُ أجدادهم للخليفةِ عمر بن الخطاب: إعتدل والا عدلناك. لحدِ الان لمْ يقلِ الحراكيونَ لمن قَنصَ الاردن: "والله لو رأينا فيكم إعوجاجا لقومناه بسيوفنا"، لانهم يُدركونَ أنَّ إرادة الحياة الكريمة المستقلة تكفي أن تُعبر عنها أصواتهم الواضحةِ الرسالةِ والمقصد، وأنَّ التزامهم الراسخ وتصميمهم الذي لن يُصيبه الباركنسون، كافٍ لان يُرهبَ خفافيش الظلامِ، لانه أقوى بِكثيرٍ من حد السيوف، وضجيج القنابل وانهار الدم. هم يكتفون بالهتاف ثم العصر ويدعون بكل إخلاص أن لا تكون هناكُ حاجةٌ لإن يتحولَ العصرُ الى إعصار.
ورغمَ أن الحراكين المُسحِرين يؤمنونَ بالارضيةِ الخصبةِ لِما يبذرون، ومقتنعون أن جميعَ الاردنيين آذانٌ صاغية، وقلوبٌ واعية، إلا أنهم يتحلونَ بصبرِ أيوب على "من يعانون من شلل الحركة" وفي نفس الوقت، هُم متيقنون من أنَّ مُسحرًاً واحداً قادرٌ على ان يوقظَ قريةً، وبضعةَ مُسحرين قادرون على أن يوقظوا مدينة، ومئاتِ المُسحرين قادرون على إيقاظ دولةٍ من سُباتها بعد أن رَانَ عليها الامد. شِعارهم "كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة".
الحراكيونَ المُسحِرون، يؤمنونَ بِقدرهم. وَقَدرُهم أنهُ " كُتبَ عليهمُ النِضالُ كما كُتبَ على الذين من قبلهم". نِضالُ الحراكيينَ، الصيامُ عن الفسادِ ومُجاهدةِ النفسِ عن ضعفها، وصيامُ الاستعداد لا التخاذل. لان التخاذلَ يستبعدُ الفوزَ بِجنةِ الدنيا وبجنةِ الاخرة.
أياماً مَعدوداتٍ. هكذا هي، صيامٌ يتبعهُ عيد، وانتفاضة يتلوها فجرُ الحرية والكرامة. فمَسافةُ الالفِ ميل تبدأ بخطوة، مُجردَ خطوة. الحراكيون يعرفون أن النصرَ لا يُحققه الجُنودُ الرابضونَ في الخنادقِ تحت قُباعاتهم الحديدية، ولكن، يُحققهُ الجنودُ الزاحفونَ على بُطونهم، والجنودُ الراكضونَ القافزون فوق الالغام والاسلاك الشائكة، باتجاهِ خَنادقِ أعدائهم، ليدفنوهم في خنادقهم، وليصنعوا من قُبعاتهم المُحطمةِ جِسرَ العُبور الى النصر.
لا تيأسوا ولا تقنطوا أيها الحراكيونَ الشُرفاءَ المُطالبين بحقوق من لا زالوا يتغذون على النوم، ويلجأون الى النوم ليحلموا بالافضل، اولئك الذين سَيتشردُ رغيفُ الخبزِ من بين أياديهم، في يوم ترونه قريبا، ويرونه بعيدا" كما تَشردَ ضِعافُ افريقيا في سُفنِ الذُلِ ليُصبحوا عبيداً في امريكا. واخيراً، أعِظُكم بقوله تعالى: "ولا تهنوا في ابتغاء القوم، ان كُنتم تألمونَ فانهم يألمونَ كَما تَألمون".