ملاحظات على مشروع العفو العام كما اقره النواب / ٢
اللواء المتقاعد مروان العمد
27-01-2019 01:50 PM
ومن ملاحظاتي على المشروع الذي اقره مجلس النواب بعض جرائم الاعتداء على الأشخاص وخاصة التي تتضمن القتل سواءً أكان ذلك عمداً او قصداً او بسبب الإهمال بتنفيذ القوانين والتعليمات او نتيجة ضرب او تعذيب مفضي الى الموت ، وموقف هذا المشروع من حيث شمولها بالعفو او عدم شمولها او شمول بعضها مع شرط إسقاط الحق الشخصي ، او مابين تنزيل العقوبات على بعضها في بعض الحالات .
وبعد ان جائت المادة الثانية من قانون العفوا لتشمل جميع الجرائم والجنايات والجنح الورادة في قانون العقوبات ، جائت المادة الثالثة من هذا المشروع وكما قدم من الحكومة لتنص على الجرائم المستثناة من قانون العفو العام سواء بالنسبة للفاعل الأصلي او الشريك او المتدخل او المحرض كما لا يشمل الإعفاء الشروع في أي منها .
ثم أخذ مشروع القانون المقدم من الحكومة في سرد الجرائم المستثناة من قانون العفو العام الى ان وصل الى البند ٦ حيث نص هذا البند على ان جرائم القتل المنصوص عليها في المادتان (٣٢٧) و (٣٢٨ ) من قانون العقوبات رقم (١٦ )لسنة (١٩٦٠ ) غير مشمولتان بأحكامه . الا ان مجلس النواب تدخل في العديد من الجرائم الغير مشمولة بالعفو العام حيث اشمل بعضها بة اما بشكل كلي او جزئي من ضمنها المادتان المذكورتان .
وحتى ندرك ما تم على هذا البند من تعديل من قبل مجلس النواب ، لابد وان نستعرضهما وكما وردتا في قانون العقوبات رقم ١٦ لسنه ١٩٦٠
المادة (٣٢٧) ونصها : يعاقب بالأشغال المؤبدة على القتل قصداً اذا ارتكب
١- تمهيداً لجنحة او تسهيلاً او تنفيذاً لها او تسهيلاً لفرار المحرضين على تلك الجنحة او فاعليها او المتدخلين فيها والحيلولة بينهم وبين العقاب
٢- على موظف اثناء ممارسته وظيفته او من اجل ما أجراه بحكم وظيفته
٣- على اكثر من شخص
٤- مع تعذيب المقتول بشراسة قبل قتله .
المادة. (٣٢٨) يعاقب بالإعدام على القتل القصد
١- اذا ارتكب مع سبق الإصرار ( القتل العمد ) وهذا يعني ان القاتل كان قد عزم أمره على ارتكاب جريمته واعد لذلك عدته واعد اداة الجريمة ووقتها ومكان تنفيذها ووقت تنفيذها وكل ذلك بعد تفكير وروية مسبقة . ثم ذهب ونفذ جريمته والتي كانت نتيجتها القتل وان كان قد حصل خطاء في شخصية المقتول لأن ما يعتد به هو النية المسبقة على ارتكاب فعل القتل
٢- اذا ارتكب القتل تمهيداً لجناية او تسهيلاً او تنفيذاً لها او تسهيلاً لفرار المحرضين على تلك الجناية او فاعليها او المتدخلين فيها او للحيلولة بينهم وبين العقاب
٣- اذا ارتكب الجرم على احد اصوله (ويفهم من هذه الفقرة ان حكم الإعدام يطبق على هذه الحالة من القتل ولو لم يكن يرافقها القصد المسبق وسبق التخطيط والإصرار ) .
وطبعا فأن المشرع وضع هذه النصوص لخطورتها على المجتمع وأهميتها .
ولكن ماذا فعل مجلس النواب بهذه المادة ؟ لقد اجرى عليها تعديلاً بحيث اصبح نصها ( موافقة بعد شطب عبارة المادتين (٣٢٧ ) و( ٣٢٨ ) والاستعاضة عنها بالفقرتين ٢+٤ من الماده ( ٣٢٧ ) والمادة ( ٣٢٨ ) .
ويفهم من ذلك اخراج الفقرتين (١ ) و( ٣ ) من المادة (٣٢٧ ) من ضمن الجرائم الغير مشمولة بالعفو و اقتصار عدم الشمول على الفقرتين ٢ و ٤ من المادة ٣٢٧ وكامل المادة ٣٢٨ بجميع بنودها .
الا ان مشروع القانون لم يتوقف عند ذلك ، حيث أضاف مادة بالرقم ٤ نصت على مايلي :— على الرغم مما ورد في الماده(٣ ) من هذا القانون تخفض الجرائم المرتكبة قبل تاريخ ١٢ / ١٢ / ٢٠١٨ المقترنة بإسقاط الحق الشخصي الى :
أ - نصف العقوبة المحكم بها في جريمة القتل المنصوص عليها في الفقرتين (٢ ) و( ٤ ) من المادة (٣٢٧ )من قانون العقوبات اي انه عاد وادخل الفقرتين المذكورتين ضمن العفو بشرط إسقاط الحق الشخص وعن طريق تخفيف العقوبة عليهما الى النصف
ب -١ - تخفيف العقوبة لمدة خمسة عشر سنة اذا كانت العقوبة المحكوم بها هي الإعدام في جريمة القتل المنصوص عليها في المادة ( ٣٢٨ ) والتي كان قد أبقاها ضمن الجرائم غير المشمولة بالعفو العام ، الا انه هنا عاد لإخضاعها لقانون العفو وذلك عن طريق تخفيض المدة المحكوم بها اذا كانت مقترنة باسقاط الحق الشخصي (وان وضع شرط عليها بأن لا تكون مقترنة بجناية غير مشمولة بأحكام هذا القانون
٢ - نصف العقوبة اذا كانت العقوبة المحكوم بها بموجب المادة (٣٢٨ ) من قانون العقوبات اقل من عقوبة الإعدام اذا كان بها اسقاط للحق الشخصي واذا كانت غير مقترنة بجناية غير مشمولة بأحكام هذا القانون . مع العلم ان الجريمة المذكرة ببنودها الثلاثه هي عقوبتها الإعدام وكان المجلس قد اتخذ بها قراراً بأبقائها ضمن الجرائم الغير مشمولة بقانون العفو العام
وليس هذا فحسب فقانون العفو العام كما هو وارد في قانون العقوبات وكماهو وارد في نص وديباجة مشروع قانون العفو العام الذي ووافق علية مجلس النواب يعرّف هذا العفو العام بقوله ( تعفى اعفاءً عاماً جميع الجرائم الجنائية والجنحية والمخالفات والأفعال الجرمية التي وقعت قبل ١٢ / ١٢ / ٢٠١٨ بحيث تزول حالة الإجرام من اساسها وتمحو كل اثر من الآثار المترتبة عليها بمقتضى التشريعات النافذة وتسقط كل دعوى وعقوبة اصلية تتعلق بأي من هذه الجرائم ) . وهذا حسب نص الفقرة ( أ ) من المادة الثانية من قانون العفو الصادر عن مجلس النواب . كما تنص الفقرة ( ب ) من هذه المادة على ان تعفى الجرائم المنصوص عليها في الفقرة ( أ ) من هذه المادة من الغرامات والرسوم المفروضة او التي ستفرض في الجرائم الجنائية والجنحية والمخالفات او في أية إجرات جزائية . فكيف بعد هذا يتم تخفيض العقوبات وتنزيلها على بعض الجرائم ضمن قانون العفو العام الذي يجُب العقوبة والجريمة كلها ويعتبرها وكل ما لها من آثار وكأنها لم تقع ولم تكن من اساسها ؟ .
كما انه هل يوجد في قوانين العفو العام ما يسمح بتخفيض العقوبة على بعض الجرائم فقط؟ وهل من حق وصلاحية مجلس النواب في الأساس اتخاذ قانون يخفف العقوبات على احكام قطعية صادرة على أشخاص لمخالفتهم قانون العقوبات الاردني سواء ضمن قانون عفو عام او ضمن أي قانون آخر ؟ .
ليس هذا فقط ولكن هناك المزيد فقد ورد في مشروع قانون العفو المقدم من الحكومة نص بأن يشمل الإعفاء المنصوص عليه في الفقرة ( أ ) من المادة ( ٢ ) من هذا القانون الجرائم التالية سواء بالنسبة للفاعل الأصلي او الشريك او المتدخل او المحرض كما يشمل الاعفاء الشروع في اي منها اذا اقترنت بإسقاط الحق الشخصي او دفع اصل المبلغ المطالب به او المحكوم به ، ولو اكتسب الحكم الدرجة القطعية .
وورد تحت هذه الفقرة مباشره وتحت البند ١ ( جرائم القتل المنصوص عليها في المادة ٣٢٦ من قانون العقوبات ( وهو القتل القصد الغير مقترن بسبق الإصرار ) الشروع بالقتل المنصوص في المادة ٣٢٧ من نفس القانون . وقد اقر مجلس النواب هذه المادة بعد ان ادخل عليها تعديلاً بحيث اصبح نصها ( جرائم القتل المنصوص عليها في المادة ( ٣٢٦ ) والفقرتين ( ١ و ٣ )من المادة ( ٣٢٧ ) من قانون العقوبات والشروع في الجرائم الواردة في الفقرتين ( ٢ و ٤ ) من المادة ( ٣٢٧) والشروع في الجرائم الواردة في المادة ٣٢٨ من نفس القانون . وبهذا أصبحت جميع حالات القتل والشروع بالقتل مشمولة بقانون العفو في حال إسقاط الحق الشخصي . ولم يستثنى منها الا جريمة القتل المقترن بسبق الإصرار .
هذا بالاضافة الى جرائم التسبب بالوفاة خلافاً لأحكام المادة ٣٤٣عقوبات والمادة ٢٧ من قانون السير رقم٩ لسنة ٢٠٠٨ . وجرائم الضرب المفضي الى الموت المنصوص عليها في المادة ٣٣٠ من قانون العقوبات طالما هي مشمولة باسقاط الحق الشخصي حتى لو كان القاتل هو الوالد بحق طفله الصغير نتيجة ممارسته للعنف المستمر عليه الى درجة الموت .
قد يقول قائل وما المانع طالما انه تم تم اسقاط الحق الشخصي عن جرائم القتل هذه . ولكن من في الواقع يُسقط هذا الحق الشخصي في جرائم القتل طالما المعتدى عليه لم يعد ضمن الأحياء لاسقاط حقه ؟ . انهم على الأغلب رجال العائلة او العشيرة الذين يحضرون جاهات الصلح وإسقاط الحق حيث يتكارمون بذلك وعلى الأغلب دون الأخذ بالاعتبار رأي زوجة المقتول او والدته او ابنائه الصغار بذلك او ربما إرغامهم على اسقاط حقوقهم الشخصية اتجاه القتلة ، والذين بعد هذا الإسقاط سيعودون ويشاهدون قاتل والدهم او والدتهم او شقيقهم يسيرون في الشوارع بكل حرية وربما يكون ذلك بعد فترة بسيطة من عملية القتل ، فكيف سيكون شعورهم وماذا يمكن ان تكون ردة فعلهم ؟.
لقد اهتم المشرعون في مجلسنا النيابي بأيجاد كل السبل التي تضمن خروج القتلة والمجرمون الى الشوارع دون احتساب لنتيجة ذلك على المجتمع ودون أخذ رأي هذا المجتمع . ان عملية القتل مهما اختلفت طريقتها هي اعتداء على حق الحياة وزرع الألم والحزن والأسى في نفوس عائلات من يتم قتلهم وقتل الفرحة في قلوبهم . وهو ايضاً اعادة الحرية لمن قد يكون لديهم ميولاً اجرامية والذين يمكن ان يقوم بعضهم بأعادة ارتكاب جرائمهم بحق مواطنين آخرين قد يكونوا اقرباء لنا او من أفراد أسرنا . أليس من حقنا وحق المجتمع ان نرفض ذلك ؟ أليس اللجوء الى العفو الخاص لمعاجة الحالات الإنسانية لبعض مرتكبي هذ الجرائم اكثر عدالة ومنطقية وخاصة ان هذا العفو لا يمحو الأسبقية على عكس العفوا لعام الذي يعطي المجرم القاتل حق ممارسة كافة حقوقه السياسية والاجتماعية بمجرد شموله بهذا العفو ومن الممكن ان نراه بعد ذلك على مقاعد النواب او مكاتب الوزراء . أليس الأجدى تعديل الدستور والتشريعات مما يعطي حق الإفراج المشروط عن بعض المحكومين ممن يثبت حسن سلوكهم دون شطب ألأسبقية .
قد يكون للنواب دوافعهم وقد يكون للمحكومين بألجرائم المشمولة بالعفو وذويهم مطالباتهم بذلك . لكن ماذا عن رأي البقيه من المواطنين .