المخیال الجمعي وقضیة الدخان
د. صبري ربيحات
27-01-2019 12:31 AM
المخیال الجمعي Imagination Collective مصطلح یستخدم للاشارة الى ما ینتجھ العقل من صور وافكار في غیاب المحسوسات، وھو احد المكنات التي تمیز بھا الانسان عن سائر المخلوقات. في الاسبوع الماضي كان المخیال الجمعي الأردني في أوج نشاطھ وقد جاء ذلك في اعقاب اصدار قائمة التھم لعدد من الاشخاص بقضیة الدخان بعد ان اشغلت الراي العام طوال الاشھر الاولى من عمر الحكومة الحالیة.
في المخیال الشعبي الأردني ھناك ترحیب حذر بالاجراءات التي اتخذت من قبل اجھزة العدالة واحساسا غیر متیقن بإمكانیة ان یكون ذلك بدایة لتفعیل السیاسات الداعیة لكسر ظھر الفساد ومحاصرة الفاسدین. وبنفس الدرجة یعتقد البعض ان الاجراء جاء متاخرا وانتقائیا ومحدودا.
نشاط المخیال الجمعي جاء نتیجة لتأخر الظھور للروایة الرسمیة المتكاملة حول الجریمة التي ھزت مشاعرھم واثارت شكوكھم فقد كانوا ینتظرون روایة تحكي لھم قصة تصنیع الدخان وكیفیة تحولھ الى نشاط جرمي، فالرأي العام یحتاج الى قصة تروي لھ الاحداث فیقرر تصدیقھا او رفضھا وبناء روایتھ الخاصة. وكما في كل الروایات لا بد ان یعرف المتلقي بدایة الروایة وتطورھا وتاریخھا وابطالھا ورعاتھا واموالھا والمدافعین عنھا والمستفیدین منھا.
مع كل أسف لم تنجح مؤسساتنا في تقدیم روایة متماسكة الامر الذي دفع بالجمھور لتشكیل روایتھم مستخدمین شذرات المعلومات التي رشحت بطرق مختلفة ومطلقین العنان لإحساسھم وقناعاتھم.
للروایة الشعبیة اطار عام واحد وتفاصیل بنكھات واسالیب متنوعة. فالجمیع یتفق على وجود نقص في الروایة الرسمیة لكنھم یتباینون في سد الثغرات واستكمال ما لم یرد ذكره. فھناك اختلاف على بدایات النشاط الجرمي وعدد الشركاء ومراكزھم وقوائم المتورطین تطول وتقصر حسب خیال الراوي فتارة تستمع الى روایة تضم العشرات من الاشخاص المعروفین والمؤثرین واخرى تختفي فیھا اسماء وتظھر اسماء جدیدة یستبعد السامع وجودھا في مثل ھذه النشاطات.
في روایات ان الامر مدبر ومخطط وفي اخرى انھ یخضع لرقابة ومتابعة عالمیة.
الطریقة التي تقدم فیھا المعلومات حول القضیة لا تؤسس لعلاقة ثقة متبادلة مع الجمھور. فالناس یسألون عن بیانات اساسیة یؤدي الحصول علیھا الى تعزیز الثقة بالمؤسسات ویضع حدا للاشاعات التي تتوالد مع غیاب المعلومات.
في اذھان الجمیع اسئلة حول: كیف بدأ العمل بالتصنیع والانتاج؟ من الذي اجاز ھذا المشروع؟ من ھم الشركاء الحقیقیون؟ ھل ھذا النشاط مخالف للقوانین؟ وھل اكتشفت المخالفات؟ وكیف تم التعامل معھا؟ من ھم المتعاونون مع المشروع؟ وما ھي صفاتھم؟ وھل اتخذ اي منھم اجراءات لتزویر بیانات او الادلاء بمعلومات او شھادات بما یخالف القانون؟ كیف تبدو خریطة او ھیكل شبكة المتورطین؟ ھل جمیع من كانوا وظھروا مع المتھم ابریاء وغیر عارفین بنشاطھ؟ من ساعد المتھم على الخروج من البلاد قبل القبض علیھ؟ من الذي كان یقدم بیانات شركاتھ لضریبة الدخل؟ ھل قدم شركاء المتھم الاوائل معلومات حول شكوكھم بانھ یقوم بعمل غیر مشروع.. ومن ھم ھؤلاء الشركاء؟
في الأردن الذي عانى ویعاني مواطنوه من الازمات المتتالیة ونقص الموارد وتقلص حجم المعونات والمساعدات تبرز الحاجة الى الاعتماد على الذات وتشدید الرقابة على الانفاق والحد من الممارسات التي تضر بسمعة الدولة وتؤدي الى العبث وخرق تشریعاتھا وتدمیر اقتصادھا.
من غیر الممكن ان تنجح الحكومة على المسرح الدولي والاقلیمي ما لم تحترم عقل مواطنھا وحقھ في المعرفة وتحرص على توفیر سبل العیش في بیئة آمنة مستقرة یمارس فیھا المواطن حقھ في المشاركة والنشاط والخدمة والاستمتاع.
الغد