تتجه جماعة الإخوان إلى تجاوز الأزمة الداخلية، وذلك إذا أقرّ مجلس الشورى في جلسته القريبة توصيات لجنة المصالحة الداخلية، التي تشكلت مؤخّراً وقامت بحلّ العديد من القضايا التنظيمية والمشكلات الداخلية.
توصيّات اللجنة تقضي بإقرار "الفصل التنظيمي" مع حركة حماس، على الأقل رسمياً، من خلال "تبصير وتخيير" أعضاء المكاتب الإدارية في الخليج بين الانضمام إلى المجلس الاستشاري للحركة المُشكّل مؤخراً (من حماس الداخل والخارج) وبين الانضمام إلى إخوان الأردن.
لا يمكن الادعاء أنّ الحركة ستتعافى من الوعكة التنظيمية بالكلية، لكنها ستتمكن، على الأغلب، من تجاوز منعرج تاريخي غير مسبوق، طرح عليها سؤال الهوية السياسية، بصورة حسّاسة وماسّة، وكان يُنذر بانسحاب غير مسبوق لجناح الحمائم من المواقع القيادية كافة في الجماعة، واستقالة نائب المراقب العام د. عبد الحميد القضاة، ما يهدد بشرخ تنظيمي كبير.
من المعروف أن الأزمة الذاتية شغلت جزءاً كبيراً من اهتمام الحركة وحواراتها الداخلية ووقتها وجهدها. وبالرغم من أهمية الأسئلة التي تصدّت الجماعة للإجابة عنها في مخاضها الداخلي، إلاّ أنّ هذا الانشغال كان على حساب ملفات وقضايا أخرى، تبدو حيوية وماسة للحركة وللوطن على السواء.
في حال تمّت المصالحات الداخلية، وتطوّرت إلى مرحلة من النضج في مجابهة أسئلة لا تقتصر على الحركة، إنّما تُطرح على المجتمع والقوى السياسية المختلفة، فإنّ ذلك يدعو الحركة إلى تطوير مقاربتها ورؤيتها السياسية لتساهم في صوغ مشروع إصلاح سياسي تتوافق عليه مع القوى السياسية والفعاليات الأخرى، يتعاطى بوضوح مع المعضلات والمعيقات التي تقف في وجه الإصلاح السياسي.
الأهمية الكبرى لجماعة الإخوان تتبدى اليوم أكثر من أي وقت مضى في أنّها تمثل صمّاماً للوحدة الوطنية. وقد تمكّنت بالرغم من الأسئلة الحركية العاصفة والبيئة السياسية والاجتماعية المحيطة أن تحافظ على تماسك خطابها الوطني من جهة، وعلى تمييزها بين ضرورات الإصلاح السياسي من جهة، ومتطلبات الأمن الوطني والحفاظ على هوية الدولة من جهة أخرى.
"رؤية الإصلاح" هذه تبرز بصورة واضحة وصريحة في الحوار الذي أجرته "الغد" مؤخراً مع د. رحيل غرايبة، إذ عرض تصوراً وطنياً متقدّماً للإصلاح، وتظهر كذلك في ابتعاد الجماعة عن تبني "خطابات فرعية" في الهوية السياسية تُفتت المصلحة الوطنية وتهزّ تماسك المجتمع، كما هي حال بعض النخب السياسية والإعلامية.
من مصلحة الجماعة والوطن أن يكون هنالك تصور واضح لهوية الجماعة السياسية وخطابها الوطني، حتى تكون الأرضية التي تقف عليها ثابتة راسخة في الالتزام بالمصالح الوطنية العليا، بخاصة أنّها كانت دوماً شريكا استراتيجيا ورئيسا في مواجهة كل التحديات العاصفة، واللحظات التاريخية الخطرة.
ربما يختلف كثيرون مع الحركة في بعض التصورات الأيديولوجية وفي وظيفتها الاجتماعية، وفي ضآلة مشروعها التنويري، وفي بعض مواقفها السياسية. لكن الخبرة أثبت أنّها أحد أعمدة الاستقرار السياسي في البلاد، وأنّها رقم صعب في المعادلة الداخلية، تقتضي الحكمة إدماجه والتفاهم معه، وتطوير مواقفه، بدلاً من إقصائه المستمر، الذي سيترك فراغاً تملأه لوبيات ذات أجندات غير مطمئنة، فضلاً عن جماعات العنف.
ما يشجع على التفاؤل بأننا قد نكون أمام مرحلة مغايرة في العلاقة مع الدولة نستعيد فيها حضور الجماعة المطلوب في المشروع السياسي الوطني أنّ هنالك مؤشرات جديدة على تحول نوعي في موقف الدولة من الحركة يقوم على أفضلية الحوار السياسي، وردّ الاعتبار للجناح المعتدل العقلاني في الجماعة، بعد أن كانت المؤسسات الرسمية تنكر وجود هذا التيار أو قوته خلال السنوات الأخيرة، ما ساهم في إضعافه وتحجيم حضوره داخل الحركة.
m.aburumman@alghad.jo